المحاضرة الأولى   مفهوم لسانيات النص1: النشأة والتطور

1.        نشأة لسانيات النص

      بدأت منذ الخمسينات محاولات تجاوز اللسانيات الوصفية والسلوكية، الصوتية أو التركيبية وتجاوز الجملة. وذلك منذ أن " بدأ التوجه نحو تحليل الخطاب ، ففي عام 1952م  قدم (هاريس) منهجاً لتحليل الخطاب المترابط سواء في حالة النطق أو الكتابة   ، استخدم فيه إجراءات اللسانيات الوصفية: بهدف اكتشاف بنية النص.

     ولكي يتحقق هذا الهدف، رأى هاريس أنه لا بد من تجاوز مشكلتين وقعت فيهما الدراسات اللغوية ( الوصفية والسلوكية ) وهما:

الأولى: قصر الدراسة على الجمل والعلاقات فيما بين أجزاء الجملة الواحدة.

والثانية: الفصل بين اللغة والموقف الاجتماعي ، مما يحول دون الفهم الصحيح  …

 ومن ثم اعتمد منهجه في تحليل الخطاب على ركيزتين:

§           العلاقات التوزيعية بين الجمل.

§            الربط بين اللغة والموقف الاجتماعي ".

     وكان زعيم هذا الاتجاه الذي وضع تأكيداً كبيراً على الوظيفة الاجتماعية للغة. مما حدا بعلماء لغة النص إلى الاهتمام بهذا السياق، وما يتصل به من أمور تتعلق بمنتج النص ومستقبله والمحيط الثقافي والمقاصد والغايات، وهي " أمور يشملها مصطلح ( مقاميات ) ، ومن ثم يجيء تعامل علماء لغة النص مع النص بوصفه حدثاً اتصالياً "، واعتبار محور اللسانيات النصية هو"كيف تؤدي النصوص وظيفة التفاعل الإنساني ".

     وبدأت النصية منذ الستينيات " تتجاوز مستوى الجملة إلى مستوى النص، وتربط بين اللغة والموقف الاجتماعي مشكّلة اتجاهاً لسانياً جديداً على نحو يتخذ النص كله وحدة للتحليل"

     هذا و" لعب ثلاثة من اللسانيين دوراً في تطوير الدراسات النصية وهم : فرديناد دوسوسير الذي يعد نظرية الدليل أساس الأبحاث التي تدور حول النص والشعر باعتبارهما بنيتين ونظامين مستقلين نسبياً ولقد وضع أسس السيمولوجيا ، وعلى هداه سار رومان جاكبسون وقام بدراسة حول الفونولوجيا وحول وظائف اللغة، وفتح باب البحث في الشعرية وفي الاستقلالية النسبية للظاهرة الأدبية .

ونفذ اميل بنفيست بوصفه لمفهوم المسند إليه في مركز تصوره للغة - إلى مسألة التخاطب ومسألة الأنواع الأدبية، التي تتحدد بعلاقتها بالخطاب وباختصار فقد مهد في آن معاً، للشعرية المقارنة ولبراغماتية القراءة. وعمل هؤلاء الثلاثة جميعاً وفق منظور رسمي منذ ذلك الحين يعرف بـ" البنيوي "  . فتحليل النص أخذ يتجاوز لسانيات الجملة من منظور دي سوسير والمعايير البلاغية وهيمنة النقد الأدبي .

2.        تطور لسانيات النص

      " ويرى دوبوجراند أن الدراسات النصانية مرت بثلاث مراحل رئيسة:

المرحلة الأولى: هي التي انتهت بحلول الستينيات ولم تكن ذات أثر يذكر على تيار ألسنية الجملة الغالب، وكان من رواد هذه المرحلة

 ( انجاردن وبوهلر وهمسلف) وغيرهم .

وبدأت المرحلة الثانية : في نهاية الستينيات وعلى وجه التحديد عام 1968م، حين بدأ عدد من العلماء مثل"رقيه حسن " و " بايك " و" ايسنبرج " يعملون بشكل منفرد في مجال الدراسات التي تتجاوز مستوى الجملة، إلا أن اتجاه هؤلاء لم يحرز أثراً حاسماً لكونه نظر إلى النصوص على أنها تتابعات لمجموعات من الجمل ...

    ومهما يكن من أمر فقد كان الاتجاه في المرحلة الثالثة التي بدأت عام 1972 م، يتركز على محاولة إيجاد نظرية بديلة تحل محل النظريات اللسانية السائدة والتي ثبت عدم قدرتها على الصمود في وجه التساؤلات الأساسية التي تستجوبها الدراسات اللغوية المتكاملة، وقد قام هذا الاتجاه على جهود طائفة من العلماء كان في مقدمتهم "فان دايك "و" دوبوجراند و" درسلر" وغيرهم، ويلاحظ أن كثيرين ممن أسهموا في هذه الاتجاهات كانوا من العلماء الذين ظلوا يحتجون على استقلالية الدراسات الألسنية عن ( السياق الاجتماعي ) بالإضافة إلى علماء الحاسوب الذين حاولوا أن يدرسوا الكيفية التي تتم بها برمجة اللغة في عقل الإنسان"

 

المحاضرة الثانية  مفهوم لسانيات النص2: من الجملة إلى النصّ

       يبدو جليا من عنوان المحاضرة أن ثمة انتقالا من مفهوم الجملة كما درسناها في النحو العربي إلى مفهوم النص ؛ من أجل ذلك سنمر على مفهوم الجملة أولا في التراث العربي والدرس الغربي ونرى كيف حدّت في كل محطة ؛ ومن ثمّ سنصل إلى مفهوم الدراسين المحدثين لمفهوم النص ، وما الحدود الفاصلة بين المفهومين ؟

ـ1. مفهوم الجملة:
تأسست الدراسات اللغوية  على مفهوم الجملة الذي يتميز بالتنوع والاختلاف حتى إنه توجد تعريفات عديدة جداً للجملة من ذلك ما ورد عن:
1
ـ 1 ـ العلماء العرب: إذا عدنا  إلى   أول  مؤلَف  في النحو كتاب  " الكتاب" لسيبويه (ت 180هـ) ، ،فإننا لا نعثر على مصطلح جملة و" هذا أمر غريب آخر ألا يوجد أي أثر للكلمة (جملة) في كتاب سيبويه وكذلك العبارة (جملة مفيدة) لا أثر لها في الكتاب. ولا نعثر على كلمة "جملة" بعد سيبويه إلا في كتاب المقتضب للمبرد ونرجح أن شيخه المازني هو الذي وضع المصطلح فإنه هو أول نحوي يستعمل كلمة "فائدة" بمعنى العلم المستفاد من الكلام وهذا المفهوم يعبر عنه سيبويه بكلمة "علم"....
إن سيبويه يسمى الجملة "كلاماً" يحسن أن يسكت المتكلم عند انتهائه، لاستقلاله من حيث اللفظ والمعنى وتتأسس نظرته على التمييز الحاسم

بين النظرة إلى الكلام كخطاب، أي باعتباره حدثاً إعلامياً يحصل في زمان ومكان معينين، والنظرة إليه كبنية، إن الكلام المستغني أو الجملة المفيدة هو أقل ما يكون عليه الخطاب إذا لم يحصل فيه حذف، يمكن أن يحلل إلى مكونات ووحدات وعناصر خطابية لكل منها

 وظيفة دلالية وإفادية كما فعل سيبويه في القرن الثاني للهجرة  ويفعله علماء اللسان في وقتنا.
     إننا إذا دققنا النظر في آراء سيبويه العديدة ومنها رأيه هذا في الجملة والكلام لوجدناه يكاد يتشابه مع الدراسات الحالية المهتمة بتحليل الخطاب ونحو النصوص وعليه فإن الكتاب ـ في حقيقة الأمر ـ ليس كتاباً في النحو والصرف والإعراب بالمعنى التقليدي؛ وإنما هو كتاب في التحليل اللغوي لعلوم العربية التي درسها سيبويه ((منطلقاً من مبدأ وصفي وتعليلي يشكل مع مبادئ أخرى الجهاز المفاهيمي للنظرية النحوية التراثية)) الجملة موضوع الدرس النحوي القديم ومحور دراسته  ، وتعد  أقل قدرٍ من الكلام يفيد السامع معنى مستقلاً بذاته  سواء تركبت من كلمة واحدة أو أكثر"؛فالجملة وحدة لغوية أقل من الكلام غرضها إفادة السامع معنى من المعاني .

 وانقسم اللغويون القدامى  في دراستها الى قسمين:

الأول ساوى  بين الجملة والكلام منهم : عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) والزمخشري538هـ) في المفصل وتابعهما في ذلك ابن يعيش (ت 643هـ) في شرح مفصل الزمخشري .

الثاني ميز الجملة عن الكلام : مثل الرضي الأستراباذي686هـ) وابن هشام الأنصاري (ت 761هـ)؛ فالكلام عنده هو القول المفيد بالقصد والجملة عبارة عن الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وماكان بمنزلة أحدهما.

1 ـ 2 ـ اللسانيون الغربيون :

أ-دي سوسير:أول من نجد في  الكلام عن الجملة  دي سوسير: f.de saussure  عندما  عرض مفهومي البنية والنظام  تشتمل نظرية  دي سوسير على مجموعة من المبادئ والاعتبارات العامة استخرجها من مشاهداته وتحليلاته لظاهرة التخاطب اللغوي وأداته التي هي اللسان وتتمثل آراء سوسير بصفة عامة في:
ـ كيفية تحديده للعلاقة القائمة بين الدال والمدلول في الأذهان وفي الأعيان وبنائه بذلك؛ نظرية للدليل اللغوي (linguistique  theorie du signe )

ـ تمييزه بين اللسان langue  كوضع تصطلح عليه الجماعة ويشترك في استعماله جميع أفرادها وبين الكلام parole كتأدية فردية للسان.
ـ تحديده بناء على هذا لموضوع اللسانيات باللسان لا الكلام في ذاته من تأدية كل فرد لـه ومن كيفية استعمال مجموع الأفراد له.
ـ توضيحه لمعنى الارتباط في قول العلماء: ((إن اللسان نظام systeme  ترتبط فيه جميع أجزائه بعضها ببعض)).
ـ تمييزه الفاصل بين نوعين من الدراسة: الزمانية  diachronique والآنية synchronique.
   لقد رأى سوسير أن بإمكان اللغوي أن يصف اللغة وصفاً آنياً دقيقاً ويستند هذا على تحديد المادة اللغوية التي هي في مظهرها نظام منغلق لا علاقة لـه بما هو خارج عنه، وهو الأساس الذي قامت عليه البنيوية بأسرها. فاللغة عند سوسير نظام من الرموز المتشابكة يجمعها نظام كلي واحد يتسم بالتماسك والوحدة والمنطقية.

 لقد أقصى سوسير الكلام من دائرة اهتمام اللسانيين وأخرجه من منهج دراسته وركز بذلك على اللسان كوضع لا كاستعمال.
إن مفاهيم سوسير ضرورية جداً من الناحية المنهجية لتشخيص الوحدات اللغوية ووصفها وتحديدها وتصنيفها وبيان طريقة اندراجها في نظامها إلا أن الباحث لا يمكن أن يتعدى بها هذا المستوى من الدراسة إلى تعليل تركيباتها في مدرج الخطاب؛ فما يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح ((لم يلتفت دي  سوسير ولا البنويون الذين جاؤوا بعده إلى هذا المظهر الهام والذي منعهم من ذلك هواعتقادهم بأن كل ما خرج عن بنية الألفاظ المفردة ونظامها فهو راجع إلى الفرد؛ فالجملة مثلاً بما أنها تركيب لوحدات اللغة يقوم به الفرد فليس عندهم "لسانية" أي وصفية بل "كلامية" أي من جنس الأفعال الفردية لا من جنس المقدرات اللغوية)). 

أ‌-          بلومفييلد:  تعد "الجملة هي أكبر وحدة قابلة للوصف النحوي"فكل بنية نحوية هي قياس وأن دراسة اللغة تتمثل في إظهار مجموعة العناصر المكونة لتلك البنية التي يتعاطاها أفراد المجموعة اللسانية مما يؤلف قياسات تلك اللغة المستعملة؛ أي أن النحو علم تصنيفي هدفه ضبط الصيغ الأساسية في اللغة بحسب تواترها أننا لما نقول: إن الجملة هي أكبر وحدة قابلة للوصف النحوي؛ فمعنى ذلك أنها تتضمن وحدات أخرى أصغر منها تدخل أيضاً ضمن الوصف النحوي مثل: الكلمات والحروف.       

إن النظرية اللسانية تقوم بتحليل اللغة بعدها مجموعة من الجمل كل جملة تشتمل على شكل صوتي وعلى تفسير دلالي، وقواعد اللغة هي التي تفصل التوافق بين الصوت والدلالة في الجملة ولذلك تسمى بقواعد الجملة باعتبارها الوحدة الأساسية في التحليل اللساني التي توقفت عندها اللسانيات البنوية ولم تتجاوزها إلى وحدات لغوية أكثر منها ولذلك سميت بلسانيات الجملة.

ج‌-       ز.هاريس  z.haris  : يعد أول لساني سعى إلى الانتقال من تحليل الجملة إلى تحليل الخطاب في كتاب ألف سنة 1952 بعنوان تحليل الخطاب، فهو كما يقول اللسانيون ـ أول من استعمل هذا المصطلح، و حاول أن يجد وسيلة تمكنه من تجاوز مستوى الجملة إلى وحدة.
تحليلية أكبر منها، فنظر إلى تحليل الخطاب من زاويتين:
تتمثل الأولى في دراسة العلاقات بين الثقافة واللغة وتتجاوز الثانية حدود الجملة إلى الخطاب وهي مسألة لسانية صميم وقف عندها هاريس دون الاهتمام بالزاوية الأولى التي تهتم بما هو خارج عن الخطاب وبذلك اقتصر عمله، شأنه شأن كل التوزيعيين ـ على ملاحظة الظاهرة

ح‌-       اللغوية باعتبارها بنية مجردة من المعنى فعد الخطاب ((مجموع قواعد تسلسل الجمل المكونة للتعبير)).
 إن محاولة هاريس للسعي إلى إيجاد وسيلة تمكنه من تجاوز مستوى الجملة تندرج في إطار اللسانيات البنوية التوزيعية التي تعد الجملة وحدتها الأساسية في التحليل ـ وبذلك ظلت طريقة تحليل الخطاب عند هاريس وغيره من اللسانيين البنويين هي نفسها طريقة التحليل المطبقة في الجملة؛ لأنهم أبعدوا المعنى من دراستهم ورأوا دراسته من اختصاص علماء آخرين خارج اللسانيات وأن منهجهم يقتضي إبعاد المعنى من التحليل اللغوي؛ لأنه ظاهرة لايمكن مشاهدتها مباشرة ولهذا لجأوا إلى مشاهدة السلوك اللغوي وما يصحبه من أحوال محسوسة متأثرين في     خولة طالب  الابراهيمي  مبادئ في اللسانيات العامة ذلك بالنظرية ا لتي كانت سائدة في الدراسات النفسية آنذاك وهي السلوكية. التي انتقدها التوليديون التحويليون بشدة.

       د- الجملة في النحو التوليدي التحويلي: رائد هذا المذهب اللساني الأمريكي تشومسكي الذي رأى المناهج البنوية السابقة لـه منذ سوسير بالنسبة لأوربا. وبلومفيلد بالنسبة لأمريكا، مناهج وصفية بنيت على مقاييس دقيقة من أجل وصف آليات اللسان وصفاً علمياً دقيقاً وتعد من هذا الجانب قد حققت نتائج مقبولة مقارنة بالنحو التقليدي الذي كان يعتمد على المنطق الأرسطي وقد أفاد كثيراً من الفروع العلمية الأخرى مثل تعليم اللغات ومعالجة أمراض الكلام. غير أن هذه المناهج في رأي تشومسكي لم تعط أهمية للتفسير والتعليل؛فلم تفسر كيفية إدراك الكلام وإحداثه ولذلك فهي من هذه الناحية، فاشلة في نظره وبخاصة في دراستها للمستوى التركيبي الذي اهتمت فيه بالجزئيات ولذلك دعا إلى مناهج جديدة لتحليل المستوى التركيبي خاصة ، واستطاع بذلك أن يحول المنهج اللساني من السلوكية إلى الذهنية أو أن يجعل الهدف من النظرية اللسانية التفسير والتحليل أكثر من الوصف والتقرير. وأن يؤسس الأسلوب الاستنتاجي التجريبي. لقد ركز تشومسكي على مايمكن أن يفعله المتكلمون باللغة لا على ما يقولونه. وإن الشيء المدهش في نظره هو أن اللغة أداة خلق لا متناه؛ لأن التحليل اللغوي ينبغي أن يكون وصفاً لما تم قوله؛ وإنما هو شرح وتحليل للعمليات الذهنية التي تمكن الإنسان من التكلم بجمل جديدة لم يسمعها من قبل ، كما  وأثرى البحث اللساني بمصطلحات ومفاهيم جديدة مثل: الإبداعية creativite والبنية السطحية  structure de surface  والبنية العميقة structure profonde  والملكة والإنجازcompetence  et  performance   وهي مفاهيم كان لها بالغ الأثر في الدراسات اللسانية فيما بعد.وهذا ـ كما تقول خولة طالب الإبراهيمي ـ يفضي بنا إلى "الحديث عن مفهومين هامين في النظرية التشومسكية حيث أنه يشترط في الجملة أن تكون سليمة من حيث تركيبها النحوي متماشية وقياس اللغة. والثاني مفهوم الاستحسان بأن تكون الجملة مقبولة من ناحية مناسبتها لمدلولات اللغة المعنية"

هـ - البنويون الوظيفيون:ركز البنويون الوظيفيون على الوظيفة التي تؤديها الجملة أو أحد عناصرها في التركيب ففي رأي ديبوا duboix  أن مفهوم الوظيفة هو المنزلة التي يمثلها أي جزء من أجزاء الكلام في البنية النحوية بالنظر إلى السياق الذي يرد فيه ، ويتعلق في نظر مارتيني a.martiniet  باختيار المتكلم لأدواته التعبيرية بوعي فتحدد وظيفة كل جزء من أجزاء الكلام بالشحنات الإخبارية التي يحمله إياها المتكلم فتكون الوظيفة قيمة تمييزية من الناحية الدلالية العامة. وقد حدد مارتيني الجملة بكونها كل عبارة ترتبط جميع وحداتها بمسند وحيد أو بمسندات مترابطة وحللها بالنظر إلى تقسيم وحداتها إلى مجموعة من المونيمات والتركيبات منها ما يمثل نواة الجملة وهو التركيب الإسنادي الذي يتألف من عنصرين أساسيين هما المسند ويمثل نواة الجملة أو الخطاب أو الحكم، والمسند إليه الذي يمثل عنصراً هاماً لتمام الجملة .

        والملاحظ  مما كل ما سبق  أن العلماء الذين اهتموا بلسانيات الجملة قد أبعدوا العوامل الاجتماعية والتبليغية واهتموا ـ في المقابل ـ بالوصف من دون النظر إلى السياق اللغوي في علاقته بأحوال الخطاب ومقتضيات التبليغ اللغوي وملابستها المختلفة ليس لأنهم غير واعين  به وإنما لأنهم رأوه من الناحية المنهجية لا يدخل في ما تقتضيه دراساتهم وأبحاثهم في تحليل اللغة وبذلك بقيت كثير من الإشكالات مطروحة ؛ فنجد العديد من اللسانيين -إلى يومنا هذا- ما يزالون يصرون على ضرورة الوقوف عند حد الجملة كوحدة كبرى قابلة للتحليل وعدم تخطيها إلى وحدات أخرى أكبر منها وإلا عد ذلك ليس من صميم الدراسة اللسانية . ونجد في المقابل  دارسين آخرين يؤكدون على حتمية تعدي

الجملة إلى وحدات لغوية أكبر منها قابلة للتحليل لما في ذلك من فائدة تعود بالضرورة على تحليل الجملة ذاته.  وبناء على ذلك أدخلوا مصطلحات ومفاهيم جديدة غير الجملة مثل:  الملفوظ   enoncee والتلفظ   enonciation  والخطاب discours     والنصtexte

مما يدعو إلى لزوم قيام لسانيات جديدة تتأسس على اللغة والثقافة والشخصية.

- مفهوم النص

- لغة :ورد في  المعاجم اللغوية العربية مادة (نصّ) عدّة معانٍ منها : نـص الحديث رَفَعَـه، وناقته استخرج أقصى ما عندها من السَّير، والشيء حرّكه، ومنه فلان ينصُّ أنفه غضباً، وهو نصَّاصُ المتاع : جعل بعضه فوق بعض، وفلان استقصى مسألته عن الشيء،والعروسُ أقعدها على المنصة وهي ما تُرفع عليه فانتصت، والشيء أظهره، والشِواء ينِصُّ نصيصا : صوَّت، والقِدر غلـت، والنصُّ الإسناد إلى الرئيسي الأكبر والتوقيف، والتعيين علـى الشيء، وإذا بلغ النساء نصَّ الحِقاق فالعصبة أولى، أي بلغنا الغاية التي عقلنا فيها على الحِقاق وهو الخصام فقال كل من الأولياء أنا أحق، أو استعارة من حـِقاق الإبل، أي انتهى صـغارهن، ونصَّـصَ غريمه وناصَّهُ استقصى عليه وناقشه، وانتصَّ انقبضَ وانتصبَ وارتفعَ، ونصْنَصَه حرَّكه وقلقله والبعير أثبت ركبتيه في الأرض وتحرّك للنهوض.  

ولعلّ أبرز المعاني المعجمية لمادة (نصّ) ما يأتي :

- الرفع : كقولنا نصَّ الحديث إليه، أي رفعه إليه، وقولنا انتصَّ، أي ارتفع وانتصب وانقبض.

- الحركة : كقولنا : نصَّ القدر، أي غلت.

- الإظهار : كقولنا : نصَّ العروس وضعها على المنصة.

- منتهى الشيء وغايته : كقولنا : ناصَّ غريمه، أي استقصى عليه وناقشه.

-لإسناد : كقولنا : نصَّ القول إلى صاحبه، أي أسنده إليه.

أما النص في المعجم الفرنسي(texte) فهو مأخوذ من مادة (textus) اللاتينية التي تعني النسيج،كما تطلق كلمةtexte)) على الكتاب المقدس أو كتاب القداسكما تعني مند العصر الإمبراطوري ترابط حكاية أو نصوالنص منظومة عناصر من اللغة أو العلاقات، وهي تشكل مادة مكتوبة أو إنتاجا شفهيا أو كتابيا. والذي نلاحظه في المعنى اللغوي لمادة(texte) أنها تدل دلالة صريحة على التماسك   والترابط والتلاحم بين أجزاء النص وذلك من خلال معنى كلمة"النسـيج" التي تؤشر إلى الانسجام والتضام والتماسك بين مكونات الشيء المنسوج ماديا، كما تؤشر معنويا أيضا على علاقات الترابط والتماسك من خلال حبك أجزاء الحكاية. 

لقد حاول خليل الموسى الجمع بين الدلالة المعجمية لكلمـة"نـص" في العربية والفرنسية والإنجليزية، مع اعترافه بوجود فوارق دلالية بين تلك المعاجم، ناتجة عن التداول اللساني الذي يعكس نمطا حضاريا من الاستخدام اللغوي، يقول : "لاشك في أن معاني (نص) في القديم غيرها في الحديث، وعند العرب غيرها عند سواهم، وهذا أمر طبيعي تقتضيه التطورات والتغيرات الزمنية والمكانية، التي تطرأ على معاني الألفاظ وسواها،  ولكنّ بعض هذه المعاني، وبخاصة الثوابت منها، تتقاطع وتتلاقى؛ فالرفع مثلا  يعيد النص إلى صاحبه، والتحريك صفة من أهم صفات النص الأدبي، فهو حوار بالـدلالة، أما الإظهار ففيه معنى الإنجاز والتمام، وإذا كانت العروس تُنَصُّ على المنصة لتُرى في أجمل حُلّة وصورة لها فكذلك شأن النص الذي لا يخرجه صاحبه إلى الناس إلاّ في حالته التي يراها جميلة، ومن هنا كان معنى الحوليات في الشعر

الجاهلي، ثمّ إنّ من معاني النص الافتضاح   والإشهار ومنها قولهم : وُضع فلان على المنصة، أي افتضح واشتهر، ومن ذلك التحديد    والوصول إلى الغاية والوصول إلى الغاية والمنتهى في الجودة والبلاغة

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى تحديد المعنى الأصلي لكلمـة"النص" في أعظم علم أنتجته العقلية العربية الإسلامية هو"علم أصول الفقه"، حيث نجد تطبيقات نصية مبكّرة وراقية تجاوزت إطار التحليل على مستوى الجملةفقد وردت الكلمة في اصطلاح الأصوليين بمعان مختلفة تعكس مستويات دلالية متفاوتة تحددها درجة الظهور أو الخفاء في النص، ونجمل تلك المعاني في الآتي:

  1.  عبارة النص : ويطلق على المعنى الحرفي للنص، أي المعنى الذي يتبادر من خلال الصيغ التي تُكوّن مفردات وجمل النص، فهو المعنى الظاهري الذي يبرز سطحيا في النص.

  2.  إشارة النص : وهو المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يقصد من سياقه  ولكنه معنى لازم للمعنى المتبادر من مقصود السياق.

  3.   دلالة النص : وهو ما يفهم من روح النص ومعقوله.

  4.  اقتضاء النص : وهو المعنى الذي لا يستقيم الكلام إلاّ بتقديره.

وهكذا نرى أنّ كلمة"نص" في التعريف الفرنسي أقرب في الدلالة على مفهوم التماسك النصي؛ فهي تدل على الترابط بين أجزاء الحكاية، كما أنّ كلمة النسيج- المقابل المعجمي لمادة نص- في أبسط معانيها تدل على الانسجام والتماسك والترابط والتناسق بين خيوط المنسوج؛ ذلك المنسوج الذي يُشكِّل قيمة فنية ترتفع جمالياتها كلما ازداد تماسك خيوطها.

النص اصطلاحا :

النص في الدراسات الغربية :

·      مفهوم النص عند هيلمسليف :يستعمل العالم اللساني(هيلمـسليف) مصطلح"النص" بمعنى واسع؛ فيطلقه على أي ملفوظ؛ منفَّد؛ قديما أو حديثا؛ مكتوبا أو محكيا؛ طويلا أو قصيرا، فكلمة : قِفْ؛ مثلا؛ هي في نظر هيلمـسليف نص كامل، كما أنّ جماع المادة اللغوية لرواية بكاملها هي أيضا نص كامل.

·         مفهوم النص عند تـودوروف : في مؤلفه"القاموس الموسوعي لعلوم اللغة"، يرى تودوروف أن اللسانيات تبدأ بحثها بدراسة(الجملة)...ولكن مفهوم(النص) لايقف على نفس المستوى الذي يقف عليه مفهوم (الجملة)، أو التركيب، وكذلك هو متميز عن الفقرة التي هي وحدة منظمة من عدة جمل. ويرى تودوروف أيضا أن النص يمكن أن يكون جملة، كما يمكن أن يكون كتابا بكامله، وعليه يحدد النص أساس استقلاليته وانغلاقيته؛ فهو يؤلف نظاما خاصا به، لا يجوز تسويته مع النظام الذي يتم على أساسه تركيب الجمل.

ومستويات تحليل النص عند تدوروف هي :

     1.  المستوى اللفظي : وهو مؤلف من العناصر الصوتية؛ التي تؤلف جمل النص.

     2.  المستوى التركيبي : ويركز على العلاقات بين الوحدات النصية الصغيرة؛ أي الجمل   ومجموعات الجمل.

3.    المستوى الدلالي : وهو نتاج مُعَقّد توحي به المستويات جميعها، منفردة ومتشابكة

· مفهوم النص عند رولان بارث : النص عند بارث نسيج كلمات منسقة في تأليف معين، بحيث يفرض شكلا وحيدا وثابتا قدر المستطاع، والنص من حيث هو نسيج فهو مرتبط بالكتابة، لأنه رسم بالحروف؛ وللنص هالته الروحية كذلك من حيث وحي كلماته.

والكتابة هي السمة الأساسية للنص عند بارث؛ فالكتابة ضمانة للشيء المكتوب،      وصيانة له؛ وذلك باكتسابه صفة"الاستمرارية"، فالنص من هنا سلاح في وجه الزمان، والنسيان...يقرر بارث في الأخير منظوره للنص في جانبه الشكلي العام؛ أنه نسيج كلمات منسقة

· مفهوم النص عند كريستيفا : تحدد جوليا كريستيفا النص، بأنّه"جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان بالربط بين كلام تواصلي يهدف إلى الإخبار المباشر وبين أنماط عديدة من الملفوظات السابقة عليه أو المتزامنة معه، فالنص إذن، إنتاجية"

وتنطلق كريستيفا من مفهوم التناص في تحديد مفهوم"النص"؛فالنص"ترحال للنصوص    وتداخل نصي، ففي فضاء معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى.

إنّ النص فضاء ثري يختزن طاقات ومعارف كبيرة ومتنوعة ومتشابكة، "فالنص الأدبي خطاب يخترق حاليا وجه العلم والأيديولوجيا والسياسة، ويتنطع لمواجهتها، وفتحها وإعادة صهرها

 مفهوم النص في الدراسات العربية :

·      مفهوم النص عند عبد المالك مرتاض : من حيث الشكل؛ لا يحدد مرتاض النص من خلال كمّه، أي  من خلال الجملة أو مجموعة الجمل داخل النص، فهو يرى أنّ النص"لا ينبغي أن يحدد بمفهوم الجملة، ولا بمفهوم الفقرة التي هي وحدة كبرى لمجموعة من الجمل، فقد يتصادف أن تكون جملة واحدة من الكلام نصا قائما بذاته مستقلا بنفسه، وذلك ممكن الحدوث في التقاليد الأدبية كالأمثال الشعبية والألغاز والحكم السائرة والأحاديث النبوية التي تجري مجرى الأحكام ...

أما النص من حيث دلالته؛ فهو شبكة معطيات؛ ألسنية وبنيوية وأيديولوجية كلُّها تسهم في إخراج النص إلى حيِّز الفعل والتأثير؛ ومن هنا يستند الأستاذ مرتاض على نظرية القراءة في تحديد مفهوم النص الأدبي، "فالنص قائم على التجددية بحكم مقروئيته، وقائم على التعددية بحكم خصوصية عطائيته تبعا لكل حالة يتعرض لها في مجهر القراءة، فالنص من حيث هو ذو قابلية للعطاء المتجدد المتعدد بتعدد تعرضه للقراءة، ولعلّ هـذا ما تطلق عليه جوليا كريستيفا(إنتاجية النص) حيث إنه يتخذ من اللغة مجالا للنشاط فتراه يتردد؟ إلى ما يسبق هذه اللغة محدثا بعدا بين لغة الاستعمال اليومية- وهي اللغة المسخرة لتقديم الأشياء والتفاهم بين الناس- والحجم الشاعر للفعاليات الدالية؛ فتنشط اللغة التي هي الأصل الأدبي في كل مرحلة نشاط هذه اللغة التي هي أصل النص في كل مراحله ومظاهره

·  مفهوم النص عند نور الدين السد : ينطلق السد من رؤية لسانية ؛ لا تعتمد تقسيم الخطاب إلى خطاب نفعي وآخر فني بل صنّف النص تصنيفا نوعيا، وبذلك أصبح"النص الأدبي"، لا يمثل إلاّ أحد الأنواع النصية العديدة؛ والتي منها النص الديني، والنص القضائي، والنص السياسي، والنص الإشهاري ...  إنّ القارئ، والسياق، و"وسائل الاتساق"؛ أركان جوهرية وحاسمة في تمييز النص عن اللانص؛ فمتكلم اللغة العارف بخصائصها هو وحده القادر على أن يحكم بنصية ما تلقاه؛ إما أنه يشكل كـلا مـوحدا، وإما هو جزر من الجمل والتراكيب لا يربطها رابط، لذلك كـان الاتساق-اللغوي وغير اللغوي- مقوما أساسيا في الحكم على نصية أي نص من عدمها.

 

                                     المحاضرة الثالثة   مفاهيم أساسية في لسانيات النص

تضم  لسانيات النص مجموعة من المصطلحات والمفاهيم أهمها

1)        النص : نسيج من الجمل المتضامة المترابطة شكلا ومعنى ؛ ولا يمكن فهمه  إلا بتتابع  ملفوظاته واستقصائه  جملة  جملة

2)        الاتساق ( السبك): يعرفه ( كارترCarter) بقوله :يبدو لنا  الاتساق ناتجا عن العلاقات الموجودة بين الأشكال النصية ، أما المعطيات غير اللسانية  (المقام/ السياق) فلا تتدخل اطلاقا  في تحديده.  أي أنه ترابط النص من حيث الشكل  .

3)        الانسجام (الحبك):  يتضمن حكما عن طريق الحدس والبديهة ، وعلى درجة من المزاجية حول الكيفية التي يشتغل بها النص ؛أي أنه ترابط النص من حيث المعنى

4)        الترابط النصي: ترى رقية حسن وهاليداي أن " الترابط النصي  قوام النص " . ويشمل الاتساق والانسجام

5)        الاحالة : علاقة قائمة بين الاسماء والمسميات وتكون قبلية أو بعدية

6)        الادراج :  وضع وحدة صغيرة ضمن وحدة أكبر منها مثل عبارة اعتراضية في جملة أو مقطع في النص ، شرط  أن تتحكم الوحدة الكبرى في دلالة ووظيفة الوحدة الصغرى.

7)        الاستبدال: صورة من صور التماسك النصي التي تتم في المستوى  النحوي المعجمي بين الكلمات أوالعبارات، وتتم داخل النص، إنه تعويض عنصر بعنصر آخر وتكون ب "ذلك ـأخرى" مثل :هل تحب قراءة القصص؟  نعم أحب ذلك

8)        الاستشهاد النصي : الاستفادة من نص آخر  سواء  بالتضمين أو الاقتباس أو التناص

9)        اشكال بديلة : تتمثل في النص في الضمائر البديلة عن الأسماء.

10)    انتاجية : ترى جوليا كرستيفا  أن  " النص عملية انتاجية "ويعني ذلك أن علاقة النص باللغة  التي يتموقع فيها  هي علاقة إعادة توزيع [ تفكيك وإعادة  بناء ]

11)    الأيقون:  كل دليل  لغوي  أو خارج لغوي تهيمن فيه  الخصائص التصويرية وتكون العلاقة بين الدال والمدلول علاقة  تشابه  مثل  الخرائط  والصور الفوتوغرافية.

12)    البنية التركيبية: نظام من الكلمات في وحدات لسانية  وترتيب الجمل وفق نظام معين

13)    البؤرة: مركز اهتمام النص وموضوع مركزي فيه

14)    الحذف : علاقة قبلية داخل النص يتم فيها  الاستغناء عن  عنصر  معين

15)    الوصل : تحديد للطريقة التي يرتبط بها  اللاحق مع السابق  بشكل منظم

16)    القصد:  هدف النص والرسالة  المباشرة  وغير المباشرة

17)    القبول :  موقف المتلقي من قبول النص

18)    الاعلام : الاتصال والابلاغ

19)    الاخبارية :  توقع المعلومات الواردة في النص

20)      المقامية :  تتعلق بمناسبة النص

المحاضرة  الرابعة :      بذور النصية في التراث

أ – العصور الكلاسيكية القديمة (اليونانية، الرومانية، العصور الوسطى):

يرجع "دوبوجراند" البدايات الأولى للدراسات النصية إلى العلوم البلاغية التي سادت العصور الكلاسيسكية القديمة( اليونانية، الرومانية، والعصور الوسطى). فقد اتجه اهتمام البلاغيين في تلك المرحلة إلى تدريب الخطباء في أربعة مجلات:

1 – مجال إنشاء الأفكار، وتنظيمها وإيجاد التعبيرات المناسبة وحفظها.

2 – مجال الأسلوبية التقليدية أو المجال التقليدي لعلم الأساليب، وقد عين"كونتليان" وهو أحد المنظرين القدماء(القرن الأول للميلاد ) أربع خصائص للأسلوب، هي: الفصاحة والملاءمة والوضوح والرشاقة.

3 – مجال الدراسات الأدبية، حيث الإهتمام بكيفية بناء النصوص وتأثير الأدباء على مدى العصور.

4 – مجال الدراسات الاجتماعية يكون فيه الاهتمام بربط الأدوار اللغوية بواقعها الاجتماعي.

ب – الإسهامات العربية القديمة:

أول ممارسة نصية واعية للعرب كانت مع القرآن الكريم، الذي أولوه اهتماما خاصا، وولد تعاملهم مع هذه النصوص جملة من الملاحظات التي تدور كلها في فلك الدراسات النصية، ما أفرز سجلات اصطلاحيا متنوعا يتعلق أساسا بمفهوم الانسجام "الحبكة" الذي يعد من أبرز المفاهيم اللسانية النصية التي تناولوها بالدراسة، وقد لحق بهذا المصطلح دلالات مجاورة مثل: الاتصال والامتزاج والالتزام والالتحام والتلاحم والاتساق والائتلاف والاقتران والارتباط والملاءمة والمناسبة والتناسب.

1 – البلاغة:

تعامل البلاغيون مع أنواع خطابية تمثلت في القرآن والشعر والخطبة، فقد شكل القرآن الكريم محور الدراسات اللغوية عامة ، والبلاغة خاصة ، حيث أكب البلاغيون على كشف أسراره ودلائله إعجازه وسر نظمه، وهنا يبرز " الإمام عبد القاهر الجرجاني" (ت 471هـ) وهو أحد أهم أعلام البلاغة العربية، والذي أسس هذا العلم وأثر في من جاء بعده من رجال البلاغة فأتموا بنيانه وأرسو أركانه، وتفرده أوصله إلى تشكيل نظرية كاملة هي" نظرية النظم" التي استغرقت مؤلفين كبيرين: " دلائل الإعجاز و " أسرار البلاغة وقد بنى نظريته على ركائز بلاغية ونحوية يمكن اختصارها في:

النظم هو التأليف وسبيل التصوير والصياغة .

النظم ليس في اللفظة المفردة

النظم ليس في اللفظة أو في المعنى يستقل كل عن الآخر.

النظم هو التعليق. التعليق = تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب بعض أو = القرائن السياقية والمقامية التي تكون لفظية ومعنوية، وهي التي تحدد دلالة النص حتى سميت لدى بعضهم بنظرية تضافر القرائن.

النظم هو توخي معاني النحو.

 

 

المحاضرة الخامسة :  تقاطع لسانيات النص والعلوم الأخرى

تتقاطع مع لسانيات النص مجموعة من العلوم  منها : البلاغة ،الانثربولوجيا ، علم الاجتماع ، علم النفس ،علم التربية ...

©   تقاطع لسانيات النص مع البلاغة:

عدّت  لسانيات النّص امتدادا معاصرا للبلاغة يقول فان ديك (Van.Djik) إن البلاغة هي السابقة التاريخية للسانيات النّص إذا أخذنا في الاعتبار توجهها العام المتمثّل في وصف النصوص وتحديد وظائفها المتعدّدة .

ـ التأكيد على أواصر القرابة بين علم المعاني وعلم النحو؛ حيث لا يمكن للدارسين الفصل بينهما.

ـ هناك من علماء العرب من تفطن لتلك العلاقة الرابطة بين اللغة والنحو والمعنى؛ تم إيرادها في مؤلفاتهم العلمية. (عبد القاهر الجرجاني)

ـ إن النصوص البلاغية واللسانية النصية تختلف جودتها بمدى درجة تأثيرها في المتلقي.

ـ إن كليهما (النص البلاغي ولسانيات النص) يرتكزان على دراسة العلاقة المنطقية العقلية بين جمل النص.

ـ إن لسانيات النص والبلاغة يسعى إلى توفير قرائن داخل النص.

 تقاطع لسانيات النص مع الانثربولوجيا : 

   الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) علم متعدد الفروع من بين فروعه الأنثروبولوجيا اللغوية  التي تهتم بكيفية تأثير اللغة على الحياة الاجتماعية للإنسان أي أنها تدرس البشر من خلال اللغات التي يستخدمونها. وقد توسعت خلال المائة عام الماضية لتشمل تقريبًا أي جانب يختص  بتركيب اللغة واستخدامها.  كما أنها توضح كيف أن اللغة تمثل التواصل، وتشكل الهوية  الاجتماعية والمشاركة في مجموعة وتنظم معتقدات وأيدلوجيات ثقافية على نطاق واسع وتنمي التمثيل الثقافي للعالم الطبيعي والاجتماعي.

  وقد عمل الأنثربولوجيون أمثال ( فلادمير بروب و ستروس Strauss و مالينوفسكي  Malinovski)  على تحليل المناهج والأنماط السائدة في الأدب الشعبي والأسطوري لتحليل البنى  وتفكيك الرموز لفهم  الأسس المؤثرة في قدرة الناطقين بلغة من اللّغات على تأليف النصوص واستعمالها للاتصال بين الأشخاص .

©   تقاطع لسانيات النص مع علم الاجتماع :

 استعان الباحثون في علم الاجتماع بلسانيات النص للكشف على كثير من القواعد التي تتحكم في أداء النصوص على اختلاف وظائفها الاعلامية والتثقيفية والتواصلية  وكذا تحليل المحادثة بوصفها صيغة للتنظيم والتفاعل الاجتماعي .

©   تقاطع لسانيات النص مع علم النفس و علم التربية:

   اهتم  كلّ من علم النفس وعلم التًربية بالطرائق المختلفة  لفهم النّصوص وعمق استيعابها وإعادة صياغتها . فالنفس البشرية متعلقة بإنتاج النص   

   وفهمه ، وعلم التربية  يحتاج لسانيات النص  لفهم كيفية بناء النص وفهمه .       

     فالنصوص من منظور المنهج اللساني النصي تتطلب دراية واسعة بالمستويات اللغوية التي تشكل صلب البحث النصي وغير اللغوية التي تتشكل من خلفياتنا المعرفية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الفصل بين هذه المستويات، حيث صارت مختلف الميادين والاختصاصات(الأدب،علم النفس،علم الاجتماع، والترجمة) تفرض نفسها في إنتاج النصوص وتحليلها لتدخل بذلك ضمن دوائر اهتمامات لسانيات النص، بعدما أقبل الكثير من العلماء والدارسين إلى إحداث توافق بين نظرية لسانية وأخرى غير لسانية، حيث أن الدراسة العلمية الدقيقة هي نتاج الجمع بين كل تلك المعارف لتصبح بذلك لسانيات النص علما متداخل الاختصاصات متعدد المنابع.

المحاضرة السادسة : النص وتعريفاته

يعد النص نقطة التلاقي بين  العديد من المجالات المعرفية، إذ لا يكاد يخلو مجال من وجود النص. إلا أن وجهة النظر، وطريقة الاشتغال، وأشكال المقاربة، تختلف من مجال إلى آخر، ومن شخص لآخر، ومن نص لآخر. ولعل ذلك راجع لما عرفه ويعرفه مصطلح النص من تعدد دلالي، تطور عبر التاريخ.

1- التعريف اللغوي للنص: إنّ المتتبع لكلمة "النص" في المعاجم العربية يلاحظ كثرة الدلالات التي ترتبط بها، فقد جاء في مقاييس اللغة: "النون والصاد أصل صحيح يدل على رفع وارتفاع وانتهاء في الشيء... ونصصت الرجل: استقصيت مسألته عن الشيء حتى تستخرج ما عنده. وهو القياس، لأنك تبتغي بلوغ النهاية". ويقول ابن منظور: "النص: رفْعُك الشَّيْءَ. نَصَّ الْحَدِيثَ يَنُصُّه نَصًّا: رفَعَه. وَكُلُّ مَا أُظْهِرَ، فَقَدْ نُصَّ......وأَصل النَّصّ أَقصى الشَّيْءِ وغايتُه"وفي تاج العروس "أَصْلُ النَّصِّ: رَفْعُك لِلشَّيْءِ وإظهاره فهو من الرفع والظهور ومنه المنصة.... نَصَّ الشَّيْءَ (يَنُصُّهُ) نَصّاً: حَرَّكَهُ "يقول أيضا "النَّصُّ: الإِسْنَادُ إِلى الرَّئِيسِ الأَكبَر. والنَّصُّ: التَّوقِيفُ. والنَّصُّ: التَّعْيِينُ على شَيْءٍ مَا، وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ، من النَّصِّ بمَعْنَى الرَّفْعِ والظُّهُورِ".   فــالنص إذن  يعني؛ الغاية والمنتهى، والتحريك. والتعيين والتوقيف. إلا أن هذه المعاني المختلفة ما هي إلا مجازات، فالمعنى اللغوي الأصلي هو الرفع الظهور.

 ب‌في اللغات الأوروبية:

نجد في اللغة الفرنسية مثلا  أن مصطلح نص Texte يرتبط بالنسيج أو الأسياخ المظفرة، ويعود المصطلح إلى ما تعنيه كلمة النسيج " في المجال المادي الصناعي، وقد نتج عنها اشتقاقات لا تخرج عن هذا المعنى الأصلي، ثم نقل هذا المعنى إلى نسيج النص، ثم اعتُبر النص نسجًا من الكلمات". وترتبط كلمة النسيج بعدة دلالات قريبة من معنى النص اصطلاحاً ومنها: " دقة التنظيم، وبراعة الصنع، والجهد، والقصد، والكمال والاستواء". وهكذا فالنص في اللغات الأجنبية مشتق من الاستخدام الاستعاري في اللاتينية لمعاني الحياكة والنسيج.

 2-  التعريف الاصطلاحي للنص:

تتعدد تعريفات النص حسب التوجهات المعرفية والنظرية للباحثين واختلاف مقارباتهم، بل قد تتعدد تعريفات الباحث الواحد حسب توجهاته النقدية المختلفة، فرولان بارت Roland Barthes مثلاً "تعددت تعريفاته للنص الأدبي بتعدد المراحل النقدية التي مرّ بها، منذ المرحلة الاجتماعية، وحتى المرحلة الحرة، مروراً بالبنيوية، والسيميائية"وهذا التنوع في تعريف النص "يدل على عدم استقرار المفهوم من جهة وتباين طرقه الإجرائية في حقول معرفية مختلفة من جهة أخرى"، بل "إن مسألة وجود تعريف جامع مانع للنص مسألة غير منطقية من جهة التصور اللغوي.

 أ‌ تعريف النص عند العرب:  يختلف معنى النص اصطلاحا حسب المجال المعرفي الذي تتم فيه الدراسة، ففي اصطلاح الأصوليين يدل النص على "مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا أَو ما لَا يحْتَمل التَّأْوِيل". أما عند أهل الحديث فقد جاء بمعنى الإسناد، والتعيين، والتحديد، فيقولون نص عليه في كذا. ونجده عند الفقهاء بمعنى الدليل الشرعي كالقرآن، والسنة، ومنه قولهم: "لا اجتهاد مع النص". 

إن الذي يهم هنا هو النص في اصطلاح النقاد. وفي هذا الصدد نجد مجموعة من المساهمات العربية لعدد من الباحثين، ومنهم طه عبد الرحمان الذي يعرف النص بأنه "بناء يتركب من عدد من الجمل السليمة مرتبطة فيما بينها بعدد من العلاقات. وقد تربط هذه العلاقات بين جملتين أو بين أكثر من جملتين". ويعرف سعيد يقطين النص بأنه:" بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية)، ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة ".  

 ويرى محمد مفتاح أن النص "وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة"، ويعرفه أيضا من خلال بعض المقومات الأساسية، فالنص عنده مدونة كلامية، وحدث تواصلي، وتفاعلي، وله بداية ونهاية، أي أنه مغلق كتابيا، لكنه توالدي معنويا لأنه "متولد من أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية...وتتناسل منه أحداث لغوية أخرى لاحقة له".

فالنص إذن بنية لسانية ذات دلالة، وذات بعد تواصلي، تحقق الأدبية من خلال مجموعة من المبادئ، كالانسجام والاتساق وتنتجه ذوات متعددة سواء قبل الكتابة أو أثناءها أو بعدها.

ب‌-   تعريف النص  عند الغربيين:   يرى الباحث الروسي لوتمان Lotman الذي أن النص يعتمد على ثلاثة مكونات: - التعبير: أي الجانب اللغوي. والتحديد: أي أن للنص دلالة لا تقبل التجزئة. "فهو يحقق دلالة ثقافية محددة، وينقل دلالتها الكاملة". و الخاصية البنيوية وتعني أن النص بنية منظمة وليس مجرد متوالية من العلامات، بل التنظيم الداخلي ضروي للنص وأساس في تكوينه.

 ويرتبط النص عند العالم اللساني هلمسليف Louis Hjelmslev بالملفوظ اللغوي المحكي أو المكتوب، طويلا كان أو قصيرا " فعبارة stop أي قف هي في نظر هالمسليف نص". وعند تودوروف "النّص إنتاج لغوي منغلق على ذاته، ومستقل بدلالاته، وقد يكون جملة، أو كتاباً بأكمله". وهذا الانتاج اللغوي لا شك له وجهان، وجه اللفظ ووجه المعنى، ولا يمكن تعريف النص من خلال اللفظ فقط، بل هناك من أعطى الأولوية للمعنى على اللفظ، حيث يكون النص "وحدة دلالية، وليست الجمل إلا الوسيلة التي يتحقق بها النص".

 ويرى فان ديك Van Dijk  ، من خلال كتابيه: (بعض مظاهر قواعد النصّ1972) ، و (النصّ والسياق1977) ، أن "النصّ نتاج لفعل ولعملية إنتاج من جهة، وأساس لأفعال، وعمليات تلقٍ واستعمال داخل نظام التواصل والتفاعل، من جهة أخرى".

 أما هاليداي M. Halliday و رقية حسن R.Hassan فقد أكدا في كتابهما (الاتساق في الإنكليزية1976): أن النصّ "وحدة لغوية في طور الاستعمال، وهو لا يتعلق بالجمل، وإنما يتحقق بواسطتها. وهما يركزان على الوحدة والانسجام في النصّ من خلال الإشارة إلى كونه وحدة دلالية"، ولا يهتمان بالطول حيث يقولان" النص يمكن أن يكون له أي طول.... وبعض النصوص تتشابه في الحقيقة من حيث إنها يمكن أن تكون أقل من جملة واحدة في التركيب النحوي مثل: التحذيرات، العناوين، الإعلانات، الإهداء

و يرى روبرت دي بوجراند De Beaugrande Robert أن النص قد يتوسع، ليشمل أي علامة لغوية دالة، سواء مكتوبة أو منطوقة أو إشارة مرئية كلغة الإشارات. فالنص في نظره قد "يتألف من عناصر ليس لها ما للجملة من الشروط (مثلا علامات الطرق والإعلان والبرقيات ونحوها".  وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدارسين يرون أن مفهوم النص يتداخل مع مفهوم الخطاب، ومنهم فان دايك الذي يرى أن "النص والسياق يعتمد كلّ منهما على الآخر"، فالسياق يحيل على الخطاب وفي الاتجاه نفسه يربط بوجراند بين النص وعناصر خارجية تؤكد ارتباط النص بالخطاب، فيقول: "ينبغي للنص أن يتصل بموقف يكون فيه، تتفاعل فيه مجموعة من المرتكزات، والتوقعات، والمعارف، وهذه البيئة الشاسعة تسمى سياق الموقف".

 ويرى بول ريكور Paul Ricœur أن النص هو خطاب تمت كتابته، حيث يقول:" لنطلق كلمة نص على كل خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة"، فالكتابة إذن تضمن استمرارية الكلام، وهي كما يعرفها دريدا" تثبيت الأصوات اللغوية بواسطة علامات خطية".

ومقابل هذه الآراء نجد البعض الآخر يرى أن هناك اختلافا بين النص والخطاب، فالثاني يرتبط بالتلفظ والتداول، أي له وجود سياقي، بينما النص يتعلق بوجود لساني خارج السياق، أي له وجود نسقي إن صح التعبير، ومن هؤلاء ميشيل آدم الذي يرى أن الخطاب هو النص مع ظروف الإنتاج، والنص هو خطاب دون ظروف الإنتاج، وبعبارة أخرى" الخطاب يدمج السياق أي الظروف الخارج لسانية المنتجة له. في حين أن النص يبعدها بوصفه ترتيبا لقطع تعود إلى البعد اللساني"، فالنص بناء لغوي غير إنجازي عكس الخطاب. وفي هذا البحث تم تبني الرأي القائل بتطابق النص والخطاب، فكل نص هو خطاب في سياق تواصلي محدد، والخطاب لا يمكنه أن يكون إلا نصا في سياق ما.

( للتفصيل أكثرعن هذه المحاضرة العودة الى مقال"النص وتعريفاته" لــبوطاهر بوسدر  أو عناوين الكتب المذكورة في المحاضرة )

المحاضرة السابعة : إشكالية تصنيف النصوص (1).(2)

 أولا: نماذج تصنيف النصوص:

 المقصود بأنواع النّصوص هي النّماذج السائدة عرفيا لأفعال لغويّة حركيّة، ويمكن أن توصف بأنّها روابط نمطيّة في كل منها سمات سياقيّة (موقفيّة)، ووظيفيّة تواصليّة، وتركيبيّة (نحويّة-موضوعيّة)، وقد تطوّرت من النّاحية التّاريخيّة في الجماعة اللّغويّة، وتتبع المعرفة اللّغويّة لأصحاب اللّغة، ولها تأثير معياري، غيرأنّها تيسّر في الوقت نفسه التّعامل التّواصلي بأن تقدّم المتواصلين بدرجة أكثر أوأقل توجيهات محكمة لإنتاج النّصوص وتلقّيها.     وفي حين يعرّف النّمط" بأنه الطريقة التّقنيّة المستخدمة في إعداد النّص وإخراجه بغية تحقيق غاية المرسل منه، ولكلّ فنّ أدبيّ نمط يتناسب مع موضوعه، ولكل نمط بنية و ترسيمة تتلاءم مع الموضوع المطروح".  إن دراسة أبنية النّصوص و أنواعها ولّد ما يعرف بـ"علم أنواع النّصوص اللّغوي" الذي يمكن أن يفرّق فيه-تقريبا- بين اتّجاهين بحثيين رئيسيين:

أ)- النّهج البحثي المؤسّس على نظام اللّغة، والذي يحاول بناء على سمات تركيبيّة، أي سمات نحويّة في المقام الأول(مثل: صورالرّبط الضميري للجمل، واستعمال عناصر إشارية، وتوزيع الأزمنة....إلخ) وصف أنواع النصوص وحدها.

ب)- النّهج البحثي الذي يوجّهه التّواصل الذي يستهدف حل إشكالية أنواع النّصوص انطلاقا من جوانب موقفيّة وتواصليّة وظيفيّة.

 لكن الملاحظ أن البحوث التّركيبيّة المؤسّسة على النّظام اللّغوي لم توفّق في تأسيس أوجه تفريق أكثر دقّة مميزة لأنواع النّصوص، فأوجه التّمييز المقترحة بناء على سمات نحويّة، على سبيل المثال في نصوص علميّة وغير علميّة لن تبلغ مدى بعيدا.

  وعلى العكس من ذلك يمكن أن يحكم على النّهج البحثي الذي توجّهه نظريّة التّواصل أوالفعل بأنّه نهج ناجح إلى حد بعيد، وهو يناسب بقدر بالغ معرفتنا الحدسيّة(اللّغويّة-اليوميّة) بأنواع النّصوص. وعلى ضوء هذين الاتّجاهين البحثيين ظهرت بعض التّصنيفات النّصيّة، ومنها نذكر:

1.2- تصنيف جلنس(H.Glenz):

  ويقوم تصوره على أسس تواصليّة دلاليّة تبرز الوظيفة الأساسيّة أو مفهومها يندرج تحت مجموعة من الأشكال النّصيّة المشتركة في الوظيفة المحدّدة، وهكذا يمكن أن تكون أنماط النّص الرئيسة كما يـلي:

  - نصوص ربط(وعد،عقد، قانون، إرث، أمر).

  - نصوص إرشاد(التماس، خطاب، دفاع، نصوص عادية، خطاب سياسي، كتب تعاليم وإرشاد).

  - نصوص اختزان(ملاحظات، فهرس، دليل، تلفون، يوميات، تخطيط، مسودّات).

  - نصوص لا تنشر علانيّة(تقدير،عرض، رسالة، بطاقة).

  - نصوص تنشر علانيّة(خبر، كتاب، دراسة، رواية، قصة، مسرحية، شعر)

  نلاحظمن تصنيف"جلنس": وإن كان مستندا على أشكال التّواصل أنّه لا نستطيع فيه التّمييز الدّقيق بين الأشكال النّصيّة، فبعض النّصوص نستطيع أن نجعلها في عدّة أصناف مثل:كتاب ، عرض...

2.2- تصنيف ايجنفاليد(Eigenvald):

  - نص صحفي، مثل:النّص الخبري ، تقرير، افتتاحية، تعليق.

  - نص اقتصادي، مثل:الجزء الاقتصادي في صحيفة.

  - نص سياسي: خطبة سياسية، قرار، منشور، بيان تنديد.

  - نص قانوني : رسالة مهام، نص دستوري، حكم قضائي، نص معاهدة.

  - نص علمي: نص من العلوم الطبيعية، نص من العلوم الاجتماعية.

  إن الملاحظ على هذا التصنيف أنّه لا يتأسس على معيار واحد ولايحقّق خاصيّة التّجانس كما ينبغي وإن كان من الصعب أن يتحقق ذلك.16

3.2- تصنيف جروسه (Grosse ):

1- نصوص معياريّة ذو وظيفة معياريّة. مثل:القوانين، اللوائح، شهادات الميلاد.

2- نصوص الاتصال ذو الوظيفة التّواصلية، مثل:كتابات التّهنئة والمواساة.

3- النّصوص الدالة على مجموعة، ذو وظيفة الدلالة على مجموعة، مثل:الأناشيد الجماعيّة.

4- نصوص شعريّة ذو وظيفة شعريّة. مثل:القصيدة، الرواية، المسرحيّة...

5- نصوص قائمة على الذّات ذو وظيفة ذاتيّة، مثل:اليوميات، سيرة الحياة، ترجمة ذاتيّة.

6- نصوص قائمة على الطلب. مثل:إعلان، دعاية، برامج، التماس، كتابة رجاء...

7- فئة التّحول. مثل: نصوص تقدم بوظائف طلبيّة ونقل المعلومات.

8- نصوص قائمة على الخبر الموضعي ذو وظيفة نقل المعلومات. مثل:الخبر، التنبؤ بالطقس، النّص العلمي.

 إن ما يلاحظ على تصنيف "جروسه" أنّه ركّز على الوظيفة التي يؤديها النّص، لكن هذا يبدو غير كاف لأن الوظائف كثيرة ويصعب حصرها، فمثلا إن الوظيفة التّواصليّة لا تقتصر على كتابة التّهنئة والمواساة فقط، بل توجد في كامل النّصوص، لذا فإن هذا التّصنيف يفتقر إلى التّجانس كسابقه.

 ثانيا : تصنيف النصوص في لسانيات النص  :

 حاولت لسانيات النص الابتعاد عن التّصنيف الفطري وسعت إلى وضع معايير أكثر دقة تصنّف على أساسها مختلف النّصوص والخطابات، والمحاولات في هذا المجال كثيرة نذكر منها:

أ- التّصنيف على أساس وظيفي تواصلي:

 وهو يركز على الوظيفة اللّغويّة المهيمنة في النّص، والمرجع الأساسي لهذا التّصنيف هو "رومان جاكسون" الذي ميّز بين مختلف النّصوص بحسب الوظيفة الأكثر بروزا فيها:

- نصوص تهيمن فيها الوظيفة المرجعيّة (La fonction référenctielle)، وهي التي يأتي فيها عرض لمعلومات أو أخبار، فهي نصوص إعلامية إخبارية بدرجة أولى.

- نصوص ذات طابع تأثيري، وهي التي يكون التّركيز فيها على المتلقي من أجل إقناعه والتأثير فيه، وتكثر فيها صيغ الخطاب والطلب.

- نصوص ذات طابع تنبيهي(phatique)، وهي تهدف أساسا إلى الحفاظ على استمراريّة التّواصل ومراقبة مدى فعاليّته ونجاعته كما تولي عناية خاصّة إلى تسلسل النّص وترابطه حتى يتمكن المتلقي من متابعته.

- نصوص ذات طابع معجمي أو لغوي صرف (La fonction métalinguistique)، وهي التي يأتي التّركيز فيها على وسيلة الاتّصال من حيث وضوحها، وحسن أدائها لوظيفتها، وتتجسّد في شرح المتكلم وتبسيطه لبعض عباراته أو كلماته.    

- نصوص ذات طابع إنشائي(La fonction poétique)، وهي النّصوص التي يكون الاهتمام منصبّا فيها على الجانب الشّكلي، كتحسين التّراكيب وانتقاء الكلمات بما يكسبها طابعا جماليا وفنيا مميّزا.

  وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتّجاه البنوي، ومن بعده الاتّجاه الوظيفي التّواصلي، قد وظّفا تصنيف "جاكسون" في التّمييز بين النّصوص وتحليلها.

ب- التّصنيف السّياقي أو المؤسّساتي:

  وهذا التّصنيف ذو طابع اجتماعي، باعتباره يركّز على الوظيفة التي يؤدّيها النّص، وقد تمخّض عن هذا التّصنيف ما هو متداول حاليا من تمييز بين النّصوص الإعلاميّة والدّينيّة والإشهارية والإداريّة وغيرها، وكما هو واضح فكل نوع من هذه الأنواع بالإمكان ردّه إلى المؤسسة الاجتماعيّة التي يصدر عنها.

ثالــثا - التّصنيف النصوص  حسب العمليّة الذّهنيّة الموظّفة في النّص:

   يعتبر هذا التّصنيف من أكثر التّصنيفات وضوحا ودقّة، فهو التّصنيف الذي يميّز بين أنواع النّصوص حسب العمليات الذّهنيّة أو العقليّة التي توظّف في النّص أكثر من غيرها، كالاستدلال أو الشّرح أو العرض أو السّرد وغيرها، وعليه فقد ميّز بين الأنواع التّالية:

1.3النّص الحجاجي(Le texte argumentatif):   إن النيّة أو القصد في هذا النوع من الخطاب، هو تغيير اعتقاد يفترض وجوده لدى المتلقي، باعتقاد آخر يعتقد المرسل أنّه الأصح، كما ينطلق الحجاج في النّص من مبدإ أن للقارئ أو السّامع رأيا حول القضيّة المطروحة أو موضوع الكلام، ويهدف في النّهاية إلى الإقناع.  وتطّرد في هذا النّوع من النّصوص علاقات معيّنة، مثل العليّة والسببيّة والتّعارض وغيرها، وأما الاتّساق فيرتكز فيه على التّكرير والتّوازي والتّبيين.

  ويعدّ النّص الحجاجي نوعا مهمّا من النّصوص التي وصلت الدراسات بشأنه إلى نتائج هامّة جدّا، وتعد الأبحاث حول هذا النّوع من النّصوص امتدادا للموروث البلاغي، فهو حقل دراسي جديد تم استثماره في دراسة النّصوص الأجنبيّة، بينما تفتقد لغتنا العربية لهذا النّوع من الدّراسات بالرّغم من تنوّع نصوصها.

2.3- النّص الإعلامي(Le texte informatif):

  إن الغاية في هذا النّوع من النّصوص هي تقديم معلومات ومعارف حول موضوع معيّن يفترض أن المتلقي يجهلها، أو ليست لديه معلومات كافية حوله  ، وتتمثّل النّصوص الإعلاميّة في الصّحافة والإشهار ونستمدّها من المكتبات والأكشاك والمراكز الثّقافيّة والاشتراكات، وتستند على مؤشرات مرئيّة مثل العناوين في كتابتها ومضامينها وأنواع الطّباعة وتتوجّه إلى أغلب الجماهير لتمكّنها من الفهم الإجمالي للأحداث.

3.3- النّص السّردي(Le texte narratif):

  يحيل السّرد على واقع تجري فيه أحداث معيّنة في إطار زماني معيّن، يبيّن فيه الذي يحكي كيف تتحوّل الأحداث، وكيف تتطوّر عبر الزّمن، وعادة ما يشتمل الخطاب السردي على ثلاثة مراحل:الحالة الأولى(L’état unitial)،التّحولات الطارئة، والحالة النّهائية(L’état final) كما يشتمل أيضا على تدرّج معين(une progression) تفرضه مجريات الأحداث وتعاقبها.

4.3- النّص الوصفي(Le texte descriptif):

  يعكس الوصف واقعا فيه إدراك كلّي وآني للعناصر المكوّنة لهذا الواقع، وكيفيّة انتظامها في الفضاء أو المكان الذي توجد فيه، وقد يكون الأمر متعلّقا بموجودات جمادية أو بأشخاص أوبغيرها، كما يتمثل الوصف في محاولة نقل هذا الواقع بجزيئاته وتفاصيله.

 وفي نهاية هذه التّصنيفات نشير إلى التّصنيف الذي اقترحه "بشير ابرير" حيث صنّف النّصوص إلى" أدبية، علميّة، إعلامية، حجاجية برهانية، نصوص وظيفية إدارية".

   و يمكن القول : أن أغلب علماء النّص يؤكدون على صعوبة هذه العملية وذلك دليل في رأيهم على ما في اللغة من تعقيد وتداخل بين مختلف ظواهرها، ولقد كان "رومان جاكسون" سبّاقا إلى استنتاج ذلك عندما انتهى في تصنيفه لوظائف اللغة، إلى التّداخل الذي يحصل بين هذه الوظائف في أثناء الكلام. بحيث يتعذّر أن نجد نصّا يحتوي على وظيفة لغوية واحدة، تأثيريّة كانت أم تعبيريّة أم مرجعيّة أم إنشائيّة .

   فالنّمط السردي مثلا قد يتضمّن النّمط الوصفي أوالحواري أوكليهما وهذان النّمطان (النّمط الوصفي والحواري) يساعدان على إبراز القصّة المبنيّة على النّمط السّردي.

 وكذلك النّمط التّفسيري يحتوي على النّمط الإبلاغي ويتخطاه، ويساعد على توضيح الأفكار وشرحها في النّمط الذي يغلب عليه النّمط البرهاني.

  ولعل هذا ما جعل "محمد خطابي" يؤكد بأن النّصوص، وخاصّة الأدبيّة منها لا تخضع لانسجام تام إذ "كثيرا ما نجد نصوصا تتعايش فيها وظائف وصفيّة، سرديّة، حجاجيّة، ولا أدّل على ذلك من النّصوص الأدبيّة التي تتضمّن خليطا من الوصف والسرد والحجاج ممّا يدعو إلى البحث عن معيار آخر للتمييز".

 لذلك يقترح "آدم" وهو أحد أكثر اللّغويين الغربيّين اهتماما بالبحث في أنواع النّصوص، تحديدا مغايرا لا يكون على أساس النّظر في البنية العامّة للنّص، ولكن على أساس النّظر في طبيعة المقاطع المكوّنة له، ومدى هيمنة أحدها أكثر من غيره على النّص.

  ولذلك فقد ترتّب عن التّحديد إدخال بعض التّعديل على التّصنيف الذي سبق ذكره ليصبح كما يلي:

- نصوص يغلب عليها الطّابع الحجاجي:textes à dominante logico argumentative ) كالمدخلات العلميّة والمحاضرات والتّقارير....

- نصوص يغلب عليها الطّابع الإعلامي أوالإخباري:textes à dominante informative  ) كالمناشير والوثائق الإداريّة والتّعليمات الإداريّة، ونصوص كيفيّات الاستعمال....

- نصوص يغلب عليها الطّابع السردي:textes à dominante narrative)) كالروايات والسّير والمذكّرات والتّحقيقات والمحاضر.

- نصوص يغلب عليها الطابع الوصفي:textes à dominante descriptive)) كالقصص والروبورتاجات، وعرض التّجارب والمذكّرات.

 وإذا انتقلنا إلى تصنيف النّصوص في المجال التّعليمي، نجد أن المشكلة كبيرة أيضا، فإذا أردنا أن نكسب المتعلم كفاية نصيّة عالية (compétente textuelle) على المستويين القرائي والكتابي تعيّن علينا إطلاع التلميذ على عيّنة كافية من كل نوع من الأنواع النّصيّة بما يمكّنه من تمثّل واستيعاب الخصائص اللّغويّة والبنائيّة لكل نوع، لكن ونظرا للتّشعب الكبير للنّصوص، فقد رأى بعض البيداغوجيين أنّه من الأفيد تصنيف النّصوص حسب المهارة النّصيّة التي نريد تعليمها للتّلميذ، والمهارات النّصيّة محدودة مقارنة بأنواع النّصوص ونذكر منها:السرد والوصف والاستدلال والتّعبير، وعليه فقد خلصوا إلى التّصنيف الأخير الذي اقترحه "جون ميشال آدم".

  والجدير بالذكر أن هناك أنواع نصيّة أخرى وتصنيفات مغايرة غير التي ذكرناها ، وسواء أكان التّصنيف دقيقا أم لا، فإن ما ليس فيه اختلاف، هو وجود بعض الخصائص الشّكليّة والمعجميّة والبنائيّة القارّة في كل نوع، وهو ما يعني أن لكل نوع بنية مجردة، إذا استطعنا تحليلها والوقوف على خصائصها أمكننا توليد نصوص عديدة في إطارها.

رابعا - أهمية تصنيف النّصوص:   تكتسي عملية تصنيف النّصوص أهمية كبرى

- الوقوف على طريقة بناء واشتغال نمط معيّن من النّصوص يساعد في إيجاد أو وضع استراتيجيّات معيّنة للقراءة بحسب طبيعة كل صنف من النّصوص ممّا يسهّل علينا وضع طريقة لتدريس النّصوص، كما أن عرض نصوص عديدة من صنف واحد على التّلميذ والتّمرن المستمر على تحليلها أن يكسب التلميذ  كفاءة نصّية عالية على المستويين القرائي والكتابي معا.

-  إذا استوعب التّلميذ  ميكانيزمات (Les mécanismes) نوع معيّن من خلال تعامله مع نماذج عديدة منه، فإنّه يكتسب كفاية أو مهارة نصيّة تيسّر له التّعامل مع أي نص آخر بحيث يصبح بإمكانه تكهّن أوتوقع أشياء في النّص قبل الوصول إليها. 

-  إن تصنيف النّصوص خطوة هامة في عمليّة التّعليم والتّعلّم، وتطبيقها لن يكون ذو فعالية كبيرة إذا لم تقدم للمتعلّم نماذج عديدة من أنواع مختلفة من النّصوص تلبّي أذواق المتعلّمين وميولهم القرائيّة والتّعبيريّة المتماشية مع نبض العصر الحاضر.

        إن معرفتنا بأنواع النصوص والوقوف على خصائصها وطرائق انتظامها واشتغالها، من شأنه أن يمكّننا من وضع واتباع استراتيجيّات معيّنة للقراءة والكتابة حسب طبيعة كل نوع، ومنه إلى وضع طرق ملائمة لتعليميّة النّصوص على المستويين القرائي والإنتاجي (الكتابي).

 

المحاضرة الثامنة :المحادثة وتحليلها

1.      مفهوم المحادثة : المحادثة على صيغة (مفاعلة) تمثل تفاعلا كلاميا  يشترط فيه تحقق الفعل اللغوي المقصود من جميع المحادثين والمداخلين فيكون كل طرف  فاعلا ومفعولا به في الان نفسه   فهي توﺍﺼل ﺸﻔﻭﻱ ﺘﺘﻭﺯﻉ ﻓﻴﻪ ﺃﺩﻭﺍﺭ ﺍﻟﻜﻼﻡ.

2.      سمات المحادثة : تتميز المحادثة بـــ:

-          نشاط لغوي بين مشاركين اثنين على الأقل  ( وهذا هو الفرق الجوهري بين المحادثة والنص)

-          تناوب الأدوار بين المتكلمين

-          المكان والزمان  : إذ تتم المحادثة في مكان وزمان واحد بين المتكلمين ( لكن يمكن أن نسمي مكالمة الهاتف محادثة على الرغم من اختلاف أماكن التواصل  )

-          التقابل وجها لوجه : يشترط في المحادثة  ان يرى المتحدث سامعه ( لكن يمكن أن نسمي مكالمة الهاتف محادثة )

3.      مكونات المحادثة : تتكون المحادثة من : التبادل والتدخل والفعل الكلامي

-       التبادل : أصغر وحدة حوارية مكونة للتفاعل. وهناك نوعان من التبادلات :

أ-   تبادلات تأكيدية(confirmatifs)  وهي الملائمة لتبادلات الافتتاح والاختتام  وتتكون من تدخلات طبيعة تعبيرية مثل التحيات :

                             - السلام عليكم         - عليكم السلام  

            -  كيف حالك؟                 - بخير ، شكرا. وأنت؟

أ-   تبادلات اصلاحية (réparateurs) وتقوم فكرة التبادل الإصلاحي على مبدأ إصلاح إهانة غير متعمدة: مثل :

-( دفع غير متعمد أثناء السير ) – اعتذر منك                     - لا تقلق

 

-        التدخل: هي أكبر وحدة أحادية الكلام (مونولوجية) مكونة للتبادل. والتدخل ينتجه متكلم واحد ونفسه؛ فهو بالتالي إسهام متكلم خاص في تبادل خاص ،  (( 1) - السلام عليكم   / ( 2)- عليكم السلام/  ( 3) – هل أنت بخير  /  ( 4): -   بخير./ وأنت؟

 ( 5): - لا بأس.../ أين تجري هكذا؟ / ( 6)  -  إلى الجامعة ". )    فهذه الأدوار الكلامية الستة تتكون من أربع تبادلات، هي

- ( 1) و( 2) هو تبادل التحية، وهو تطابقي، ومتكون من تد خلين .          - ( 3) وبداية ( 4): هو تبادل تكاملي سؤال  جواب

- نهاية ( 4): وبداية ( 5): سؤال  جواب                                                   -    نهاية( 5): و( 6) سؤال  جواب

-  الفعل الكلامي(acte de langage)   هي أصغر وحدة أحادية الكلام (مونولوجية) مكو نة للتد خل  ، تؤدي غرضا تواصليا، وهي مثل: أسمي، أعد أتعهد، أرفض، أعلن، أعتذر، أهنئ، أعلن افتتاح الجلسة... ، حيث يعبر المتكلم عن مقاصده، وتؤدي هذه الأفعال وظائف اجتماعية مختلفة كالاعتذار، والاعتراض، والقبول، والوعد، والتعزية، والتهنئة...

4            - بنية المحادثة: تركز بعض الدراسات في تحليل بنية المحادثات على سلاسل التفاعل اللفظي ، وتنتظم على مستويين أساسيين، هما:

أ  البنية العامة الكبرى والعليا): يميز الباحثون في المحادثة بين أبنية كبرى (أي أبنية كلية دلالية)، وأبنية عليا (أبنية عامة هيكلية). ويقصد هنا بالبنية العليا بنية المحادثة ككل، أي وحدات تحليل أكبر.  والمحادثة العادية تتألف غالبا من الفئات التالية: "التحيات المدخل إلى موضوع المحادثة، موضوع المحادثة، إغلاق لموضوع المحادثة، بداية إغلاق المحادثة، الإغلاق الفعلي، التحيات.

ب  البنية الصغرى للمحادثة: يركز التحليل، على مستوى البنية الصغرى على المنطوقات المنفردة وعلاقاتها  بالمنطوقات والأفعال الكلامية الخاصة بالمحادثة وبكيفية تنظيمها.

 

 

 

 

 

 

 

بنية كبرى

-      السلام عليكم

- افتتاحية

بنية صغرى

-      وعليكم السلام

-  تبادل تأكيدي

بنية صغرى

-      كيف حالك ؟

-  تدخل

بنية صغرى

-       بخير

- تدخل

بنية صغرى

-      هل ترى فائدة من دراسة لسانيات النص؟

-  تدخل

بنية صغرى

-      عفوا. لم أع  سؤالك

- تبادل اصلاحي

بنية صغرى

-      أقصد. هل تستفيد من  دراستك للسانيات النص ؟

-  فعل كلامي

بنية صغرى

-      نعم . قليــــلا

-  

بنية صغرى

-      آه. شكرا على صراحتك

- فعل كلامي

بنية صغرى

-      عفــــوا

- فعل كلامي

بنية صغرى

-      السلام عليكم

- اختتامية

بنية صغرى

-      وعليكم السلام

- اختتامية

بنية صغرى

 

المحاضرة التاسعة : النصية ومعاييرها

1- النصيةla textualite:

هي المقومات التي يتميز من خلالها النص عن اللانص، كما أتها تمثل المباحث الأساسية للسانيات النص. ويعد" دي بو جراند" من أوائل علماء النص الذين حددوا بدقة متناهية معايير النصية، بحيث جاءت شاملة لكل تعاريف النص على اختلافها، وقد ضمن ذلك كتابه : (النص والخطاب والإجراء) حيث يقول: "وأنا أقترح المعايير التالية لجفل النصيةTextuality أساسا مشروعا لإيجاد النصوص واستعمالها".

2- معايير النصية:

- الاتساق La cohésion ،  - الانسجامLa cohérence ،   - المقصدية L’intentionnalité  ،  -المقبولية L’acceptabilité ،           - السياق Le contexte ، - التناص L’intertextualité ، وأضاف إلى معاييره معيار: – الإخبارية أو االإعلامية Informativité.

ويصنف "سعد مصلوح" هذه المعايير إلى ثلاثة أصناف.

1 – صنف يتصل بالنص، ويشمل معياري الاتساق والانسجام.

2 – صنف يتصل بمنتج النص ومتلقيه، ويشمل معياري المقصدية والمقبولية.

3 – صنف يتصل بظروف إنتاج النص وتلقيه، ويضم معياري السياق والتناص.

أولا - الاتساق cohesion:

   يتأسس مفهومه على الترابط الشكلي للنص أو ما يجعل سطح النص ( Surface du texte) مترابطا ترابطا يفضي أوله إلى آخره.

يعني مصطلح "سطح النص" أو ظاهر النص ، العناصر اللغوية التي نتلفظ بها أو نسمعها في تعاقبها الزمني، والتي نكتبها أو نراها بما هي سلسلة من الملفوظات المنتظمة على صفحة الورق، لكنها لا تشكل نصا إلا إذا توافر لها من أدوات الاتساق ما يجعل النص محتفظا بكينونته واستمراره.

ويتجلى"الاتساق" في المظاهر الآتية:

1 – الترابط الموضوعي، بأن يعالج النص قضية معينة أو يتكلم في موضوع محدد فالوحدة الموضوعية تقتضي عدم التناقض، والانتقال غير المبرر من فكرة إلى أخرى لا ترابط منطقي

2- ضرورة توفر النص على نوع من التدرج( Progression) سواء أتعلق الأمر بالعرض أم بالسرد أو بالتحليل، وهو ما يشعر القارئ بوجود مسار معين للنص واتجاهه نحو غاية محددة، ويجعله يتوقع في مرحلة ما من مراحله ما سيأتي بعدها.

 3 – يتعين على النص أن يتوفر على معيار الإختتام (La cloture) وهذا من منطق أن كل كيان لغوي يستوجب أن يتكون من مقدمة، وجوهر وخاتمة. والنص الذي لا يختم يفقد الكثير من حصافته واتساقه، ولا يستطيع قارئه لاأن يدرك بوضوح غائيته.

4 – أن يكون للنص هوية وانتماء؛ أي نوع (Type) لأن الكفاية النصية العامة للمتكلمين بلغة ما تقترن دائما بـ " كفاية نوعية" تتمثل في قدرة القارئ على التمييز بين أنواع من النصوص، بغض النظر عن مضامينها. وهذا يقتضي من ممارسي الكتابة احترام خصائص كل نوع نصي، إذا أراد أن يحقق لنصه المنجز اتساقه.

ويحيل الاتساق إلى العلاقات أو الأدوات التي تسهم في الربط بين أجزاء النص الداخلية من ناحية وبين النص والبيئة من ناحية أخرى.

وتنقسم هذه الأدوات إلى أدوات ترابط نصية، وهي: الإحالة، الاستبدال، الحذف، الوصل، والفصل. وأدوات ترابط معجمية: تتحقق عبر ظاهرتي: التكرار والمطابقة.

1 – أدوات الترابط النصية : Reference:

1/أ – الإحالة:

تبرز في النص من خلال الوسائل النحوية التالية: الضمائر، وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، وأدوات المقارنة مثل: التشبيه، وكلمات المقارنة، مثل: أكثر، أقل وتنقسم الإحالة إلى نوعين رئيسيين: إحالة مقامية وإحالة نصية. وتتفرع الإحالة النصية إلى: إحالة قبلية؛ أي الإحالة إلى أمر سابق، وإحالة بعدية؛ أي الإحالة إلى أمر لاحق،

1/ب -الاستبدال – Substitution:

هو عملية تتم داخل النص، انه تعويض عنصر في النص بعنصر آخر،، ويسهم الاستبدال في الترابط النصي ويشمل المستوى النحوي والمعجمي بين مفردات أو عبارات، ويفرق نحاة النص بين ثلاثة أنواع للاستبدال هي كالآتي:

1 – استبدال إسمي Substitution nominale :  من خلال استخدام عناصر لغوية اسمية ( آخر، آخرون، نفس)

مثال1: فأسي جد مثلومة، يجب أن أقتني أخرى حادة.   / مثال2 : سيارتي قديمة يجب أن أشتري أخرى جديدة.

2 – استبدال فعلي –Substitution Verbale: من خلال استخدام الفعل ( يفعل )

مثال1: هل تعتقد أنه يذكر هذا؟ أعتقد أن الجميع يفعل.  / مثال2 : قال تعالى ( وقيل اضرب بعصاك الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) ( سورة البقرة الآية 60). استبدلة جملة جواب الطلب وهي من المفروض : فضرب الحجر بعصاه بجملة أخرى ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عيا). وترتبط هذه الجملة بالجملة محذوفة بعلاقة سببية أشير اليها في السابق.

فالاستبدل يسهم في ترابط النص، كونه علاقة قبلية بين عنصر سابق في النص وعنصر لاحق عليه . وهذا يحقق نوعا من التلاحم والاستمرار على مستوى الكلام كما يمكن كاتب النص من عرض أفكاره دو تكرار كلمات بعينها، ودون الاستعمال المفرط للضمائر، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على مقروئية النص .

3 – استبدال قولي – Substitution Clausule:  وينم باستخدام ( ذلك )

مثال1: <<لا شك أنك توافق على وقوع المعركة؟>> قال تويد لدوم بصوت هادئ.<< أفترض ذلك>> أجاب الآخر مستاء، زاحفا خارج المظلة. ففي هذا المثال حل العنصر <<ذلك>> محل قول برمه، وهو افترض الموافقة على المعركة

مثال2: قوله تعالى ( أرأيت غذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسنيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا(63) قال ذلك ما كنا نبغي فارتد على آثارهما قصصا(64)). سورة الكهف

فكلمة "ذلك" جاءت بدلا من الآية السابقة عليها مباشرة. فكان هذا الاستدلال عاملا على التماسك النصي بين الآيات الكريمة.

1/ج- الحذف: - Eliminiation :

    يتم الحذف عندما تكون هناك قرائن معنوية أو مقالية تومي إليه وتدل عليه، وهذه الوسيلة الاتساقية تترك مساحة للقارئ ليمارس فعل القراءة، فيعمل على استحضار العناصر المحذوفة في ذهنه حتى يصل بها البنية السطحية للنص، التي تبدو للوهلة الأولى بنية متقطعة وغير مستمرة؛ أي أنه بحث عن العنصر اللغوي المفترض. والحذف عند "هاليداي" و " رقية حسين" أنواع:

1 – الحذف الاسمي: حذف اسم داخل المركب الاسمي، ولا يقع الا في الأسماء المشتركة:

مثال: أي الطريقين ستأخذ؟ هذا هو الأسهل.

2 – الحذف الفعلي: حذف داخل المركب الفعلي:

مثال: فيما كنت تفكر؟ المشكلة التي أرقتني. والتقدير أفكر في المشكلة.

3 – الحذف داخل شبه الجملة:

مثال: كم ثمنه؟ عشرون دينارا. والتقدير: ثمنه عشرون دينارا.

1/ دالوصل والفصل Cojonction/Disjonction :

* يشير الوصل الى إمكان اجتماع العناصر والصور وتعلق بعضها ببعض إنه يعمل على ربط سابق بلاحق وأشهر أدوات الوصل أو الربط حروف الطف وصور هذا الربط هي:

1 – مطلق الجمع Conjonction : يربط بين صورتين أو أكثر متحدتين من حيث البنية، ويمكن استخدام الواو بالإضافة إلى علاوة على ذلك.

2 – التخيير dis cojonction : يربط بين صورتين تكونان متماثلتين من حيث المحتوى ويقع الاختيار على محتوى واحد وأداة الاختيار (أو).

3 – الاستدراك Contrajonction : ويضم صورتين من صور المعلومات بينهما علاقة نعارض: يمكن استخدام ( لكن، بل، مع ذلك).

4 – التفريع Sub ordination : يشير هذا النوع من الوصل إلى العلاقة بين صورتين بينهما حالة تدرج وتحقق إحداهما يتوقف على حدوث الأخرى، ويستخدم لذلك ( لأن، مادام، من حيث، ولهذا،...).

5 – التمثيل: ( على غرار، نحو، مثلا،...).

6 – الاختصار: ( بإيجاز، باختصار، على العموم، أخيرا،...)

7 – التعداد : ( أولا، ثانيا، في النهاية، بعد ذلك،...).

8 – التعاقب الزمني: ( قبل ذلك،، بعد ذلك، إثر هذا، ثم،...).

هذا النوع من الربط يشكل الصلة بين أول النص بآخره، مما يؤدي إلى تماسك نسيجه وتلاحم أجزائه.

* أما الفصل Dis coj on ction ، فيسهم في تماسك أجزاء النص باعتباره من أنواع الربط إلا أنه لا يعتمد على روابط شكلية تتجلى في البنية السطحية، بل يقوم على علاقة خفية قائمة بين جمل النص.

2 – الاتساق  المعجمي:

2/ أ – التكرار Recurrence :

ويقصد به إعادة عنصر من العناصر المعجمية المشكلة للنص، ويقدم التكرار أداة التوكيد والإيضاح ويتركب التكرار عند" هاليداي " و " رقية حسين" من أربع درجات هو ما يمكن توضيحه بما يلي:

1 – إعادة عنصر معجمي Repetition delement lexical :

مثال: شرعت في الصعود إلى القمة، الصعود سهل للغاية.

2 – الترادف أو شبه الترادف Synonyme ou pres de synonyme :

مثال: شرعت في الصعود إلى القمة، التسلق سهل للغاية.

3 – الاسم الشامل Nom global :

مثال: شرعت في الصعود إلى القمة العمل سهل للغاية

4 – الكلمات العامة Mots generaux :

مثال: شرعت في الصعود الى القمة الشيء سهل للغاية

2/ب – المطابقة – التضام- Collocation :

يتمثل في توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطهما بحكم هذه العلاقة وتلك ويبرز في شكل علاقات متنوعة منها:

1 – التضاد الحاد: ويمكن التمثيل له بالعناصر المعجمية: ميت/حي، أعزب/ متزوج، ذكر/ أنثى.

2 – التنافر: يرتبط بالرتبة أو الزمن أو الألوان مثل: أحمر، أخضر، أصفر.

        3- علاقة الكل بالجزء: مثل : علاقة اليد بالجسم، علاقة العجلة بالسيارة.

ثانيا - الانسجام Coherence :

يحتاج تحليل الانسجام من منظور " فان دايك " إلى تحديد نوع الدلالة التي ستمكننا من ذلك، وهي دلالة نسبية، أي أننا لا نؤول الجملة أو القضايا بمعزل عن الجملة والقضايا السابقة عليها. ووسائل انسجام النص كما ذكرها " دوبو جراند " هي:

العناصر المنطقية كالسببية والعموم والخصوص.

معلومات عن تنظيم الأحداث والأعمال والموضوعات والمواقف.

السعي إلى التماسك فيما يتصل بالتجربة الإنسانية، ويتدعم الالتحام بتففعل المعلومات التي يعرضها النص مع المعرفة السابقة بالعام.

* يشكل مصطلح الاتساق والانسجام زوجا واحدا، فلا يمكن دراسة أحدهما بمعزل عن الآخر، لارتباطهما الوثيق بالنص، ومن ثمة لا يتصور إقامة تفرقة بينهما أثناء التحليل النصي .

يدرس الانسجام مدى تماسك وترابط البنية الكلية المشكلة للنص، ويبحث الاتساق عن وسائل الترابط الشكلي للأجزاء المكونة له فالبحث في هاتين القضيتين يعد من صميم النظرية النصية؛ إذ أنه لا يتصور فصل بين المستويات اللغوية بما فيها النحو والدلالية والتداولية ذلك أن تفاعل تلك المستويات يفضي إلى قراءة واضحة لعالم النص، وهذا ما يرمي إليه التحليل اللساني المعاصر.

 


المحاضرة الأولى   مفهوم لسانيات النص1: النشأة والتطور

1.        نشأة لسانيات النص

      بدأت منذ الخمسينات محاولات تجاوز اللسانيات الوصفية والسلوكية، الصوتية أو التركيبية وتجاوز الجملة. وذلك منذ أن " بدأ التوجه نحو تحليل الخطاب ، ففي عام 1952م  قدم (هاريس) منهجاً لتحليل الخطاب المترابط سواء في حالة النطق أو الكتابة   ، استخدم فيه إجراءات اللسانيات الوصفية: بهدف اكتشاف بنية النص.

     ولكي يتحقق هذا الهدف، رأى هاريس أنه لا بد من تجاوز مشكلتين وقعت فيهما الدراسات اللغوية ( الوصفية والسلوكية ) وهما:

الأولى: قصر الدراسة على الجمل والعلاقات فيما بين أجزاء الجملة الواحدة.

والثانية: الفصل بين اللغة والموقف الاجتماعي ، مما يحول دون الفهم الصحيح  …

 ومن ثم اعتمد منهجه في تحليل الخطاب على ركيزتين:

§           العلاقات التوزيعية بين الجمل.

§            الربط بين اللغة والموقف الاجتماعي ".

     وكان زعيم هذا الاتجاه الذي وضع تأكيداً كبيراً على الوظيفة الاجتماعية للغة. مما حدا بعلماء لغة النص إلى الاهتمام بهذا السياق، وما يتصل به من أمور تتعلق بمنتج النص ومستقبله والمحيط الثقافي والمقاصد والغايات، وهي " أمور يشملها مصطلح ( مقاميات ) ، ومن ثم يجيء تعامل علماء لغة النص مع النص بوصفه حدثاً اتصالياً "، واعتبار محور اللسانيات النصية هو"كيف تؤدي النصوص وظيفة التفاعل الإنساني ".

     وبدأت النصية منذ الستينيات " تتجاوز مستوى الجملة إلى مستوى النص، وتربط بين اللغة والموقف الاجتماعي مشكّلة اتجاهاً لسانياً جديداً على نحو يتخذ النص كله وحدة للتحليل"

     هذا و" لعب ثلاثة من اللسانيين دوراً في تطوير الدراسات النصية وهم : فرديناد دوسوسير الذي يعد نظرية الدليل أساس الأبحاث التي تدور حول النص والشعر باعتبارهما بنيتين ونظامين مستقلين نسبياً ولقد وضع أسس السيمولوجيا ، وعلى هداه سار رومان جاكبسون وقام بدراسة حول الفونولوجيا وحول وظائف اللغة، وفتح باب البحث في الشعرية وفي الاستقلالية النسبية للظاهرة الأدبية .

ونفذ اميل بنفيست بوصفه لمفهوم المسند إليه في مركز تصوره للغة - إلى مسألة التخاطب ومسألة الأنواع الأدبية، التي تتحدد بعلاقتها بالخطاب وباختصار فقد مهد في آن معاً، للشعرية المقارنة ولبراغماتية القراءة. وعمل هؤلاء الثلاثة جميعاً وفق منظور رسمي منذ ذلك الحين يعرف بـ" البنيوي "  . فتحليل النص أخذ يتجاوز لسانيات الجملة من منظور دي سوسير والمعايير البلاغية وهيمنة النقد الأدبي .

2.        تطور لسانيات النص

      " ويرى دوبوجراند أن الدراسات النصانية مرت بثلاث مراحل رئيسة:

المرحلة الأولى: هي التي انتهت بحلول الستينيات ولم تكن ذات أثر يذكر على تيار ألسنية الجملة الغالب، وكان من رواد هذه المرحلة

 ( انجاردن وبوهلر وهمسلف) وغيرهم .

وبدأت المرحلة الثانية : في نهاية الستينيات وعلى وجه التحديد عام 1968م، حين بدأ عدد من العلماء مثل"رقيه حسن " و " بايك " و" ايسنبرج " يعملون بشكل منفرد في مجال الدراسات التي تتجاوز مستوى الجملة، إلا أن اتجاه هؤلاء لم يحرز أثراً حاسماً لكونه نظر إلى النصوص على أنها تتابعات لمجموعات من الجمل ...

    ومهما يكن من أمر فقد كان الاتجاه في المرحلة الثالثة التي بدأت عام 1972 م، يتركز على محاولة إيجاد نظرية بديلة تحل محل النظريات اللسانية السائدة والتي ثبت عدم قدرتها على الصمود في وجه التساؤلات الأساسية التي تستجوبها الدراسات اللغوية المتكاملة، وقد قام هذا الاتجاه على جهود طائفة من العلماء كان في مقدمتهم "فان دايك "و" دوبوجراند و" درسلر" وغيرهم، ويلاحظ أن كثيرين ممن أسهموا في هذه الاتجاهات كانوا من العلماء الذين ظلوا يحتجون على استقلالية الدراسات الألسنية عن ( السياق الاجتماعي ) بالإضافة إلى علماء الحاسوب الذين حاولوا أن يدرسوا الكيفية التي تتم بها برمجة اللغة في عقل الإنسان"

 

المحاضرة الثانية  مفهوم لسانيات النص2: من الجملة إلى النصّ

       يبدو جليا من عنوان المحاضرة أن ثمة انتقالا من مفهوم الجملة كما درسناها في النحو العربي إلى مفهوم النص ؛ من أجل ذلك سنمر على مفهوم الجملة أولا في التراث العربي والدرس الغربي ونرى كيف حدّت في كل محطة ؛ ومن ثمّ سنصل إلى مفهوم الدراسين المحدثين لمفهوم النص ، وما الحدود الفاصلة بين المفهومين ؟

ـ1. مفهوم الجملة:
تأسست الدراسات اللغوية  على مفهوم الجملة الذي يتميز بالتنوع والاختلاف حتى إنه توجد تعريفات عديدة جداً للجملة من ذلك ما ورد عن:
1
ـ 1 ـ العلماء العرب: إذا عدنا  إلى   أول  مؤلَف  في النحو كتاب  " الكتاب" لسيبويه (ت 180هـ) ، ،فإننا لا نعثر على مصطلح جملة و" هذا أمر غريب آخر ألا يوجد أي أثر للكلمة (جملة) في كتاب سيبويه وكذلك العبارة (جملة مفيدة) لا أثر لها في الكتاب. ولا نعثر على كلمة "جملة" بعد سيبويه إلا في كتاب المقتضب للمبرد ونرجح أن شيخه المازني هو الذي وضع المصطلح فإنه هو أول نحوي يستعمل كلمة "فائدة" بمعنى العلم المستفاد من الكلام وهذا المفهوم يعبر عنه سيبويه بكلمة "علم"....
إن سيبويه يسمى الجملة "كلاماً" يحسن أن يسكت المتكلم عند انتهائه، لاستقلاله من حيث اللفظ والمعنى وتتأسس نظرته على التمييز الحاسم

بين النظرة إلى الكلام كخطاب، أي باعتباره حدثاً إعلامياً يحصل في زمان ومكان معينين، والنظرة إليه كبنية، إن الكلام المستغني أو الجملة المفيدة هو أقل ما يكون عليه الخطاب إذا لم يحصل فيه حذف، يمكن أن يحلل إلى مكونات ووحدات وعناصر خطابية لكل منها

 وظيفة دلالية وإفادية كما فعل سيبويه في القرن الثاني للهجرة  ويفعله علماء اللسان في وقتنا.
     إننا إذا دققنا النظر في آراء سيبويه العديدة ومنها رأيه هذا في الجملة والكلام لوجدناه يكاد يتشابه مع الدراسات الحالية المهتمة بتحليل الخطاب ونحو النصوص وعليه فإن الكتاب ـ في حقيقة الأمر ـ ليس كتاباً في النحو والصرف والإعراب بالمعنى التقليدي؛ وإنما هو كتاب في التحليل اللغوي لعلوم العربية التي درسها سيبويه ((منطلقاً من مبدأ وصفي وتعليلي يشكل مع مبادئ أخرى الجهاز المفاهيمي للنظرية النحوية التراثية)) الجملة موضوع الدرس النحوي القديم ومحور دراسته  ، وتعد  أقل قدرٍ من الكلام يفيد السامع معنى مستقلاً بذاته  سواء تركبت من كلمة واحدة أو أكثر"؛فالجملة وحدة لغوية أقل من الكلام غرضها إفادة السامع معنى من المعاني .

 وانقسم اللغويون القدامى  في دراستها الى قسمين:

الأول ساوى  بين الجملة والكلام منهم : عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) والزمخشري538هـ) في المفصل وتابعهما في ذلك ابن يعيش (ت 643هـ) في شرح مفصل الزمخشري .

الثاني ميز الجملة عن الكلام : مثل الرضي الأستراباذي686هـ) وابن هشام الأنصاري (ت 761هـ)؛ فالكلام عنده هو القول المفيد بالقصد والجملة عبارة عن الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وماكان بمنزلة أحدهما.

1 ـ 2 ـ اللسانيون الغربيون :

أ-دي سوسير:أول من نجد في  الكلام عن الجملة  دي سوسير: f.de saussure  عندما  عرض مفهومي البنية والنظام  تشتمل نظرية  دي سوسير على مجموعة من المبادئ والاعتبارات العامة استخرجها من مشاهداته وتحليلاته لظاهرة التخاطب اللغوي وأداته التي هي اللسان وتتمثل آراء سوسير بصفة عامة في:
ـ كيفية تحديده للعلاقة القائمة بين الدال والمدلول في الأذهان وفي الأعيان وبنائه بذلك؛ نظرية للدليل اللغوي (linguistique  theorie du signe )

ـ تمييزه بين اللسان langue  كوضع تصطلح عليه الجماعة ويشترك في استعماله جميع أفرادها وبين الكلام parole كتأدية فردية للسان.
ـ تحديده بناء على هذا لموضوع اللسانيات باللسان لا الكلام في ذاته من تأدية كل فرد لـه ومن كيفية استعمال مجموع الأفراد له.
ـ توضيحه لمعنى الارتباط في قول العلماء: ((إن اللسان نظام systeme  ترتبط فيه جميع أجزائه بعضها ببعض)).
ـ تمييزه الفاصل بين نوعين من الدراسة: الزمانية  diachronique والآنية synchronique.
   لقد رأى سوسير أن بإمكان اللغوي أن يصف اللغة وصفاً آنياً دقيقاً ويستند هذا على تحديد المادة اللغوية التي هي في مظهرها نظام منغلق لا علاقة لـه بما هو خارج عنه، وهو الأساس الذي قامت عليه البنيوية بأسرها. فاللغة عند سوسير نظام من الرموز المتشابكة يجمعها نظام كلي واحد يتسم بالتماسك والوحدة والمنطقية.

 لقد أقصى سوسير الكلام من دائرة اهتمام اللسانيين وأخرجه من منهج دراسته وركز بذلك على اللسان كوضع لا كاستعمال.
إن مفاهيم سوسير ضرورية جداً من الناحية المنهجية لتشخيص الوحدات اللغوية ووصفها وتحديدها وتصنيفها وبيان طريقة اندراجها في نظامها إلا أن الباحث لا يمكن أن يتعدى بها هذا المستوى من الدراسة إلى تعليل تركيباتها في مدرج الخطاب؛ فما يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح ((لم يلتفت دي  سوسير ولا البنويون الذين جاؤوا بعده إلى هذا المظهر الهام والذي منعهم من ذلك هواعتقادهم بأن كل ما خرج عن بنية الألفاظ المفردة ونظامها فهو راجع إلى الفرد؛ فالجملة مثلاً بما أنها تركيب لوحدات اللغة يقوم به الفرد فليس عندهم "لسانية" أي وصفية بل "كلامية" أي من جنس الأفعال الفردية لا من جنس المقدرات اللغوية)). 

أ‌-          بلومفييلد:  تعد "الجملة هي أكبر وحدة قابلة للوصف النحوي"فكل بنية نحوية هي قياس وأن دراسة اللغة تتمثل في إظهار مجموعة العناصر المكونة لتلك البنية التي يتعاطاها أفراد المجموعة اللسانية مما يؤلف قياسات تلك اللغة المستعملة؛ أي أن النحو علم تصنيفي هدفه ضبط الصيغ الأساسية في اللغة بحسب تواترها أننا لما نقول: إن الجملة هي أكبر وحدة قابلة للوصف النحوي؛ فمعنى ذلك أنها تتضمن وحدات أخرى أصغر منها تدخل أيضاً ضمن الوصف النحوي مثل: الكلمات والحروف.       

إن النظرية اللسانية تقوم بتحليل اللغة بعدها مجموعة من الجمل كل جملة تشتمل على شكل صوتي وعلى تفسير دلالي، وقواعد اللغة هي التي تفصل التوافق بين الصوت والدلالة في الجملة ولذلك تسمى بقواعد الجملة باعتبارها الوحدة الأساسية في التحليل اللساني التي توقفت عندها اللسانيات البنوية ولم تتجاوزها إلى وحدات لغوية أكثر منها ولذلك سميت بلسانيات الجملة.

ج‌-       ز.هاريس  z.haris  : يعد أول لساني سعى إلى الانتقال من تحليل الجملة إلى تحليل الخطاب في كتاب ألف سنة 1952 بعنوان تحليل الخطاب، فهو كما يقول اللسانيون ـ أول من استعمل هذا المصطلح، و حاول أن يجد وسيلة تمكنه من تجاوز مستوى الجملة إلى وحدة.
تحليلية أكبر منها، فنظر إلى تحليل الخطاب من زاويتين:
تتمثل الأولى في دراسة العلاقات بين الثقافة واللغة وتتجاوز الثانية حدود الجملة إلى الخطاب وهي مسألة لسانية صميم وقف عندها هاريس دون الاهتمام بالزاوية الأولى التي تهتم بما هو خارج عن الخطاب وبذلك اقتصر عمله، شأنه شأن كل التوزيعيين ـ على ملاحظة الظاهرة

ح‌-       اللغوية باعتبارها بنية مجردة من المعنى فعد الخطاب ((مجموع قواعد تسلسل الجمل المكونة للتعبير)).
 إن محاولة هاريس للسعي إلى إيجاد وسيلة تمكنه من تجاوز مستوى الجملة تندرج في إطار اللسانيات البنوية التوزيعية التي تعد الجملة وحدتها الأساسية في التحليل ـ وبذلك ظلت طريقة تحليل الخطاب عند هاريس وغيره من اللسانيين البنويين هي نفسها طريقة التحليل المطبقة في الجملة؛ لأنهم أبعدوا المعنى من دراستهم ورأوا دراسته من اختصاص علماء آخرين خارج اللسانيات وأن منهجهم يقتضي إبعاد المعنى من التحليل اللغوي؛ لأنه ظاهرة لايمكن مشاهدتها مباشرة ولهذا لجأوا إلى مشاهدة السلوك اللغوي وما يصحبه من أحوال محسوسة متأثرين في     خولة طالب  الابراهيمي  مبادئ في اللسانيات العامة ذلك بالنظرية ا لتي كانت سائدة في الدراسات النفسية آنذاك وهي السلوكية. التي انتقدها التوليديون التحويليون بشدة.

       د- الجملة في النحو التوليدي التحويلي: رائد هذا المذهب اللساني الأمريكي تشومسكي الذي رأى المناهج البنوية السابقة لـه منذ سوسير بالنسبة لأوربا. وبلومفيلد بالنسبة لأمريكا، مناهج وصفية بنيت على مقاييس دقيقة من أجل وصف آليات اللسان وصفاً علمياً دقيقاً وتعد من هذا الجانب قد حققت نتائج مقبولة مقارنة بالنحو التقليدي الذي كان يعتمد على المنطق الأرسطي وقد أفاد كثيراً من الفروع العلمية الأخرى مثل تعليم اللغات ومعالجة أمراض الكلام. غير أن هذه المناهج في رأي تشومسكي لم تعط أهمية للتفسير والتعليل؛فلم تفسر كيفية إدراك الكلام وإحداثه ولذلك فهي من هذه الناحية، فاشلة في نظره وبخاصة في دراستها للمستوى التركيبي الذي اهتمت فيه بالجزئيات ولذلك دعا إلى مناهج جديدة لتحليل المستوى التركيبي خاصة ، واستطاع بذلك أن يحول المنهج اللساني من السلوكية إلى الذهنية أو أن يجعل الهدف من النظرية اللسانية التفسير والتحليل أكثر من الوصف والتقرير. وأن يؤسس الأسلوب الاستنتاجي التجريبي. لقد ركز تشومسكي على مايمكن أن يفعله المتكلمون باللغة لا على ما يقولونه. وإن الشيء المدهش في نظره هو أن اللغة أداة خلق لا متناه؛ لأن التحليل اللغوي ينبغي أن يكون وصفاً لما تم قوله؛ وإنما هو شرح وتحليل للعمليات الذهنية التي تمكن الإنسان من التكلم بجمل جديدة لم يسمعها من قبل ، كما  وأثرى البحث اللساني بمصطلحات ومفاهيم جديدة مثل: الإبداعية creativite والبنية السطحية  structure de surface  والبنية العميقة structure profonde  والملكة والإنجازcompetence  et  performance   وهي مفاهيم كان لها بالغ الأثر في الدراسات اللسانية فيما بعد.وهذا ـ كما تقول خولة طالب الإبراهيمي ـ يفضي بنا إلى "الحديث عن مفهومين هامين في النظرية التشومسكية حيث أنه يشترط في الجملة أن تكون سليمة من حيث تركيبها النحوي متماشية وقياس اللغة. والثاني مفهوم الاستحسان بأن تكون الجملة مقبولة من ناحية مناسبتها لمدلولات اللغة المعنية"

هـ - البنويون الوظيفيون:ركز البنويون الوظيفيون على الوظيفة التي تؤديها الجملة أو أحد عناصرها في التركيب ففي رأي ديبوا duboix  أن مفهوم الوظيفة هو المنزلة التي يمثلها أي جزء من أجزاء الكلام في البنية النحوية بالنظر إلى السياق الذي يرد فيه ، ويتعلق في نظر مارتيني a.martiniet  باختيار المتكلم لأدواته التعبيرية بوعي فتحدد وظيفة كل جزء من أجزاء الكلام بالشحنات الإخبارية التي يحمله إياها المتكلم فتكون الوظيفة قيمة تمييزية من الناحية الدلالية العامة. وقد حدد مارتيني الجملة بكونها كل عبارة ترتبط جميع وحداتها بمسند وحيد أو بمسندات مترابطة وحللها بالنظر إلى تقسيم وحداتها إلى مجموعة من المونيمات والتركيبات منها ما يمثل نواة الجملة وهو التركيب الإسنادي الذي يتألف من عنصرين أساسيين هما المسند ويمثل نواة الجملة أو الخطاب أو الحكم، والمسند إليه الذي يمثل عنصراً هاماً لتمام الجملة .

        والملاحظ  مما كل ما سبق  أن العلماء الذين اهتموا بلسانيات الجملة قد أبعدوا العوامل الاجتماعية والتبليغية واهتموا ـ في المقابل ـ بالوصف من دون النظر إلى السياق اللغوي في علاقته بأحوال الخطاب ومقتضيات التبليغ اللغوي وملابستها المختلفة ليس لأنهم غير واعين  به وإنما لأنهم رأوه من الناحية المنهجية لا يدخل في ما تقتضيه دراساتهم وأبحاثهم في تحليل اللغة وبذلك بقيت كثير من الإشكالات مطروحة ؛ فنجد العديد من اللسانيين -إلى يومنا هذا- ما يزالون يصرون على ضرورة الوقوف عند حد الجملة كوحدة كبرى قابلة للتحليل وعدم تخطيها إلى وحدات أخرى أكبر منها وإلا عد ذلك ليس من صميم الدراسة اللسانية . ونجد في المقابل  دارسين آخرين يؤكدون على حتمية تعدي

الجملة إلى وحدات لغوية أكبر منها قابلة للتحليل لما في ذلك من فائدة تعود بالضرورة على تحليل الجملة ذاته.  وبناء على ذلك أدخلوا مصطلحات ومفاهيم جديدة غير الجملة مثل:  الملفوظ   enoncee والتلفظ   enonciation  والخطاب discours     والنصtexte

مما يدعو إلى لزوم قيام لسانيات جديدة تتأسس على اللغة والثقافة والشخصية.

- مفهوم النص

- لغة :ورد في  المعاجم اللغوية العربية مادة (نصّ) عدّة معانٍ منها : نـص الحديث رَفَعَـه، وناقته استخرج أقصى ما عندها من السَّير، والشيء حرّكه، ومنه فلان ينصُّ أنفه غضباً، وهو نصَّاصُ المتاع : جعل بعضه فوق بعض، وفلان استقصى مسألته عن الشيء،والعروسُ أقعدها على المنصة وهي ما تُرفع عليه فانتصت، والشيء أظهره، والشِواء ينِصُّ نصيصا : صوَّت، والقِدر غلـت، والنصُّ الإسناد إلى الرئيسي الأكبر والتوقيف، والتعيين علـى الشيء، وإذا بلغ النساء نصَّ الحِقاق فالعصبة أولى، أي بلغنا الغاية التي عقلنا فيها على الحِقاق وهو الخصام فقال كل من الأولياء أنا أحق، أو استعارة من حـِقاق الإبل، أي انتهى صـغارهن، ونصَّـصَ غريمه وناصَّهُ استقصى عليه وناقشه، وانتصَّ انقبضَ وانتصبَ وارتفعَ، ونصْنَصَه حرَّكه وقلقله والبعير أثبت ركبتيه في الأرض وتحرّك للنهوض.  

ولعلّ أبرز المعاني المعجمية لمادة (نصّ) ما يأتي :

- الرفع : كقولنا نصَّ الحديث إليه، أي رفعه إليه، وقولنا انتصَّ، أي ارتفع وانتصب وانقبض.

- الحركة : كقولنا : نصَّ القدر، أي غلت.

- الإظهار : كقولنا : نصَّ العروس وضعها على المنصة.

- منتهى الشيء وغايته : كقولنا : ناصَّ غريمه، أي استقصى عليه وناقشه.

-لإسناد : كقولنا : نصَّ القول إلى صاحبه، أي أسنده إليه.

أما النص في المعجم الفرنسي(texte) فهو مأخوذ من مادة (textus) اللاتينية التي تعني النسيج،كما تطلق كلمةtexte)) على الكتاب المقدس أو كتاب القداسكما تعني مند العصر الإمبراطوري ترابط حكاية أو نصوالنص منظومة عناصر من اللغة أو العلاقات، وهي تشكل مادة مكتوبة أو إنتاجا شفهيا أو كتابيا. والذي نلاحظه في المعنى اللغوي لمادة(texte) أنها تدل دلالة صريحة على التماسك   والترابط والتلاحم بين أجزاء النص وذلك من خلال معنى كلمة"النسـيج" التي تؤشر إلى الانسجام والتضام والتماسك بين مكونات الشيء المنسوج ماديا، كما تؤشر معنويا أيضا على علاقات الترابط والتماسك من خلال حبك أجزاء الحكاية. 

لقد حاول خليل الموسى الجمع بين الدلالة المعجمية لكلمـة"نـص" في العربية والفرنسية والإنجليزية، مع اعترافه بوجود فوارق دلالية بين تلك المعاجم، ناتجة عن التداول اللساني الذي يعكس نمطا حضاريا من الاستخدام اللغوي، يقول : "لاشك في أن معاني (نص) في القديم غيرها في الحديث، وعند العرب غيرها عند سواهم، وهذا أمر طبيعي تقتضيه التطورات والتغيرات الزمنية والمكانية، التي تطرأ على معاني الألفاظ وسواها،  ولكنّ بعض هذه المعاني، وبخاصة الثوابت منها، تتقاطع وتتلاقى؛ فالرفع مثلا  يعيد النص إلى صاحبه، والتحريك صفة من أهم صفات النص الأدبي، فهو حوار بالـدلالة، أما الإظهار ففيه معنى الإنجاز والتمام، وإذا كانت العروس تُنَصُّ على المنصة لتُرى في أجمل حُلّة وصورة لها فكذلك شأن النص الذي لا يخرجه صاحبه إلى الناس إلاّ في حالته التي يراها جميلة، ومن هنا كان معنى الحوليات في الشعر

الجاهلي، ثمّ إنّ من معاني النص الافتضاح   والإشهار ومنها قولهم : وُضع فلان على المنصة، أي افتضح واشتهر، ومن ذلك التحديد    والوصول إلى الغاية والوصول إلى الغاية والمنتهى في الجودة والبلاغة

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى تحديد المعنى الأصلي لكلمـة"النص" في أعظم علم أنتجته العقلية العربية الإسلامية هو"علم أصول الفقه"، حيث نجد تطبيقات نصية مبكّرة وراقية تجاوزت إطار التحليل على مستوى الجملةفقد وردت الكلمة في اصطلاح الأصوليين بمعان مختلفة تعكس مستويات دلالية متفاوتة تحددها درجة الظهور أو الخفاء في النص، ونجمل تلك المعاني في الآتي:

  1.  عبارة النص : ويطلق على المعنى الحرفي للنص، أي المعنى الذي يتبادر من خلال الصيغ التي تُكوّن مفردات وجمل النص، فهو المعنى الظاهري الذي يبرز سطحيا في النص.

  2.  إشارة النص : وهو المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يقصد من سياقه  ولكنه معنى لازم للمعنى المتبادر من مقصود السياق.

  3.   دلالة النص : وهو ما يفهم من روح النص ومعقوله.

  4.  اقتضاء النص : وهو المعنى الذي لا يستقيم الكلام إلاّ بتقديره.

وهكذا نرى أنّ كلمة"نص" في التعريف الفرنسي أقرب في الدلالة على مفهوم التماسك النصي؛ فهي تدل على الترابط بين أجزاء الحكاية، كما أنّ كلمة النسيج- المقابل المعجمي لمادة نص- في أبسط معانيها تدل على الانسجام والتماسك والترابط والتناسق بين خيوط المنسوج؛ ذلك المنسوج الذي يُشكِّل قيمة فنية ترتفع جمالياتها كلما ازداد تماسك خيوطها.

النص اصطلاحا :

النص في الدراسات الغربية :

·      مفهوم النص عند هيلمسليف :يستعمل العالم اللساني(هيلمـسليف) مصطلح"النص" بمعنى واسع؛ فيطلقه على أي ملفوظ؛ منفَّد؛ قديما أو حديثا؛ مكتوبا أو محكيا؛ طويلا أو قصيرا، فكلمة : قِفْ؛ مثلا؛ هي في نظر هيلمـسليف نص كامل، كما أنّ جماع المادة اللغوية لرواية بكاملها هي أيضا نص كامل.

·         مفهوم النص عند تـودوروف : في مؤلفه"القاموس الموسوعي لعلوم اللغة"، يرى تودوروف أن اللسانيات تبدأ بحثها بدراسة(الجملة)...ولكن مفهوم(النص) لايقف على نفس المستوى الذي يقف عليه مفهوم (الجملة)، أو التركيب، وكذلك هو متميز عن الفقرة التي هي وحدة منظمة من عدة جمل. ويرى تودوروف أيضا أن النص يمكن أن يكون جملة، كما يمكن أن يكون كتابا بكامله، وعليه يحدد النص أساس استقلاليته وانغلاقيته؛ فهو يؤلف نظاما خاصا به، لا يجوز تسويته مع النظام الذي يتم على أساسه تركيب الجمل.

ومستويات تحليل النص عند تدوروف هي :

     1.  المستوى اللفظي : وهو مؤلف من العناصر الصوتية؛ التي تؤلف جمل النص.

     2.  المستوى التركيبي : ويركز على العلاقات بين الوحدات النصية الصغيرة؛ أي الجمل   ومجموعات الجمل.

3.    المستوى الدلالي : وهو نتاج مُعَقّد توحي به المستويات جميعها، منفردة ومتشابكة

· مفهوم النص عند رولان بارث : النص عند بارث نسيج كلمات منسقة في تأليف معين، بحيث يفرض شكلا وحيدا وثابتا قدر المستطاع، والنص من حيث هو نسيج فهو مرتبط بالكتابة، لأنه رسم بالحروف؛ وللنص هالته الروحية كذلك من حيث وحي كلماته.

والكتابة هي السمة الأساسية للنص عند بارث؛ فالكتابة ضمانة للشيء المكتوب،      وصيانة له؛ وذلك باكتسابه صفة"الاستمرارية"، فالنص من هنا سلاح في وجه الزمان، والنسيان...يقرر بارث في الأخير منظوره للنص في جانبه الشكلي العام؛ أنه نسيج كلمات منسقة

· مفهوم النص عند كريستيفا : تحدد جوليا كريستيفا النص، بأنّه"جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان بالربط بين كلام تواصلي يهدف إلى الإخبار المباشر وبين أنماط عديدة من الملفوظات السابقة عليه أو المتزامنة معه، فالنص إذن، إنتاجية"

وتنطلق كريستيفا من مفهوم التناص في تحديد مفهوم"النص"؛فالنص"ترحال للنصوص    وتداخل نصي، ففي فضاء معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى.

إنّ النص فضاء ثري يختزن طاقات ومعارف كبيرة ومتنوعة ومتشابكة، "فالنص الأدبي خطاب يخترق حاليا وجه العلم والأيديولوجيا والسياسة، ويتنطع لمواجهتها، وفتحها وإعادة صهرها

 مفهوم النص في الدراسات العربية :

·      مفهوم النص عند عبد المالك مرتاض : من حيث الشكل؛ لا يحدد مرتاض النص من خلال كمّه، أي  من خلال الجملة أو مجموعة الجمل داخل النص، فهو يرى أنّ النص"لا ينبغي أن يحدد بمفهوم الجملة، ولا بمفهوم الفقرة التي هي وحدة كبرى لمجموعة من الجمل، فقد يتصادف أن تكون جملة واحدة من الكلام نصا قائما بذاته مستقلا بنفسه، وذلك ممكن الحدوث في التقاليد الأدبية كالأمثال الشعبية والألغاز والحكم السائرة والأحاديث النبوية التي تجري مجرى الأحكام ...

أما النص من حيث دلالته؛ فهو شبكة معطيات؛ ألسنية وبنيوية وأيديولوجية كلُّها تسهم في إخراج النص إلى حيِّز الفعل والتأثير؛ ومن هنا يستند الأستاذ مرتاض على نظرية القراءة في تحديد مفهوم النص الأدبي، "فالنص قائم على التجددية بحكم مقروئيته، وقائم على التعددية بحكم خصوصية عطائيته تبعا لكل حالة يتعرض لها في مجهر القراءة، فالنص من حيث هو ذو قابلية للعطاء المتجدد المتعدد بتعدد تعرضه للقراءة، ولعلّ هـذا ما تطلق عليه جوليا كريستيفا(إنتاجية النص) حيث إنه يتخذ من اللغة مجالا للنشاط فتراه يتردد؟ إلى ما يسبق هذه اللغة محدثا بعدا بين لغة الاستعمال اليومية- وهي اللغة المسخرة لتقديم الأشياء والتفاهم بين الناس- والحجم الشاعر للفعاليات الدالية؛ فتنشط اللغة التي هي الأصل الأدبي في كل مرحلة نشاط هذه اللغة التي هي أصل النص في كل مراحله ومظاهره

·  مفهوم النص عند نور الدين السد : ينطلق السد من رؤية لسانية ؛ لا تعتمد تقسيم الخطاب إلى خطاب نفعي وآخر فني بل صنّف النص تصنيفا نوعيا، وبذلك أصبح"النص الأدبي"، لا يمثل إلاّ أحد الأنواع النصية العديدة؛ والتي منها النص الديني، والنص القضائي، والنص السياسي، والنص الإشهاري ...  إنّ القارئ، والسياق، و"وسائل الاتساق"؛ أركان جوهرية وحاسمة في تمييز النص عن اللانص؛ فمتكلم اللغة العارف بخصائصها هو وحده القادر على أن يحكم بنصية ما تلقاه؛ إما أنه يشكل كـلا مـوحدا، وإما هو جزر من الجمل والتراكيب لا يربطها رابط، لذلك كـان الاتساق-اللغوي وغير اللغوي- مقوما أساسيا في الحكم على نصية أي نص من عدمها.

 

                                     المحاضرة الثالثة   مفاهيم أساسية في لسانيات النص

تضم  لسانيات النص مجموعة من المصطلحات والمفاهيم أهمها

1)        النص : نسيج من الجمل المتضامة المترابطة شكلا ومعنى ؛ ولا يمكن فهمه  إلا بتتابع  ملفوظاته واستقصائه  جملة  جملة

2)        الاتساق ( السبك): يعرفه ( كارترCarter) بقوله :يبدو لنا  الاتساق ناتجا عن العلاقات الموجودة بين الأشكال النصية ، أما المعطيات غير اللسانية  (المقام/ السياق) فلا تتدخل اطلاقا  في تحديده.  أي أنه ترابط النص من حيث الشكل  .

3)        الانسجام (الحبك):  يتضمن حكما عن طريق الحدس والبديهة ، وعلى درجة من المزاجية حول الكيفية التي يشتغل بها النص ؛أي أنه ترابط النص من حيث المعنى

4)        الترابط النصي: ترى رقية حسن وهاليداي أن " الترابط النصي  قوام النص " . ويشمل الاتساق والانسجام

5)        الاحالة : علاقة قائمة بين الاسماء والمسميات وتكون قبلية أو بعدية

6)        الادراج :  وضع وحدة صغيرة ضمن وحدة أكبر منها مثل عبارة اعتراضية في جملة أو مقطع في النص ، شرط  أن تتحكم الوحدة الكبرى في دلالة ووظيفة الوحدة الصغرى.

7)        الاستبدال: صورة من صور التماسك النصي التي تتم في المستوى  النحوي المعجمي بين الكلمات أوالعبارات، وتتم داخل النص، إنه تعويض عنصر بعنصر آخر وتكون ب "ذلك ـأخرى" مثل :هل تحب قراءة القصص؟  نعم أحب ذلك

8)        الاستشهاد النصي : الاستفادة من نص آخر  سواء  بالتضمين أو الاقتباس أو التناص

9)        اشكال بديلة : تتمثل في النص في الضمائر البديلة عن الأسماء.

10)    انتاجية : ترى جوليا كرستيفا  أن  " النص عملية انتاجية "ويعني ذلك أن علاقة النص باللغة  التي يتموقع فيها  هي علاقة إعادة توزيع [ تفكيك وإعادة  بناء ]

11)    الأيقون:  كل دليل  لغوي  أو خارج لغوي تهيمن فيه  الخصائص التصويرية وتكون العلاقة بين الدال والمدلول علاقة  تشابه  مثل  الخرائط  والصور الفوتوغرافية.

12)    البنية التركيبية: نظام من الكلمات في وحدات لسانية  وترتيب الجمل وفق نظام معين

13)    البؤرة: مركز اهتمام النص وموضوع مركزي فيه

14)    الحذف : علاقة قبلية داخل النص يتم فيها  الاستغناء عن  عنصر  معين

15)    الوصل : تحديد للطريقة التي يرتبط بها  اللاحق مع السابق  بشكل منظم

16)    القصد:  هدف النص والرسالة  المباشرة  وغير المباشرة

17)    القبول :  موقف المتلقي من قبول النص

18)    الاعلام : الاتصال والابلاغ

19)    الاخبارية :  توقع المعلومات الواردة في النص

20)      المقامية :  تتعلق بمناسبة النص

المحاضرة  الرابعة :      بذور النصية في التراث

أ – العصور الكلاسيكية القديمة (اليونانية، الرومانية، العصور الوسطى):

يرجع "دوبوجراند" البدايات الأولى للدراسات النصية إلى العلوم البلاغية التي سادت العصور الكلاسيسكية القديمة( اليونانية، الرومانية، والعصور الوسطى). فقد اتجه اهتمام البلاغيين في تلك المرحلة إلى تدريب الخطباء في أربعة مجلات:

1 – مجال إنشاء الأفكار، وتنظيمها وإيجاد التعبيرات المناسبة وحفظها.

2 – مجال الأسلوبية التقليدية أو المجال التقليدي لعلم الأساليب، وقد عين"كونتليان" وهو أحد المنظرين القدماء(القرن الأول للميلاد ) أربع خصائص للأسلوب، هي: الفصاحة والملاءمة والوضوح والرشاقة.

3 – مجال الدراسات الأدبية، حيث الإهتمام بكيفية بناء النصوص وتأثير الأدباء على مدى العصور.

4 – مجال الدراسات الاجتماعية يكون فيه الاهتمام بربط الأدوار اللغوية بواقعها الاجتماعي.

ب – الإسهامات العربية القديمة:

أول ممارسة نصية واعية للعرب كانت مع القرآن الكريم، الذي أولوه اهتماما خاصا، وولد تعاملهم مع هذه النصوص جملة من الملاحظات التي تدور كلها في فلك الدراسات النصية، ما أفرز سجلات اصطلاحيا متنوعا يتعلق أساسا بمفهوم الانسجام "الحبكة" الذي يعد من أبرز المفاهيم اللسانية النصية التي تناولوها بالدراسة، وقد لحق بهذا المصطلح دلالات مجاورة مثل: الاتصال والامتزاج والالتزام والالتحام والتلاحم والاتساق والائتلاف والاقتران والارتباط والملاءمة والمناسبة والتناسب.

1 – البلاغة:

تعامل البلاغيون مع أنواع خطابية تمثلت في القرآن والشعر والخطبة، فقد شكل القرآن الكريم محور الدراسات اللغوية عامة ، والبلاغة خاصة ، حيث أكب البلاغيون على كشف أسراره ودلائله إعجازه وسر نظمه، وهنا يبرز " الإمام عبد القاهر الجرجاني" (ت 471هـ) وهو أحد أهم أعلام البلاغة العربية، والذي أسس هذا العلم وأثر في من جاء بعده من رجال البلاغة فأتموا بنيانه وأرسو أركانه، وتفرده أوصله إلى تشكيل نظرية كاملة هي" نظرية النظم" التي استغرقت مؤلفين كبيرين: " دلائل الإعجاز و " أسرار البلاغة وقد بنى نظريته على ركائز بلاغية ونحوية يمكن اختصارها في:

النظم هو التأليف وسبيل التصوير والصياغة .

النظم ليس في اللفظة المفردة

النظم ليس في اللفظة أو في المعنى يستقل كل عن الآخر.

النظم هو التعليق. التعليق = تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب بعض أو = القرائن السياقية والمقامية التي تكون لفظية ومعنوية، وهي التي تحدد دلالة النص حتى سميت لدى بعضهم بنظرية تضافر القرائن.

النظم هو توخي معاني النحو.

 

 

المحاضرة الخامسة :  تقاطع لسانيات النص والعلوم الأخرى

تتقاطع مع لسانيات النص مجموعة من العلوم  منها : البلاغة ،الانثربولوجيا ، علم الاجتماع ، علم النفس ،علم التربية ...

©   تقاطع لسانيات النص مع البلاغة:

عدّت  لسانيات النّص امتدادا معاصرا للبلاغة يقول فان ديك (Van.Djik) إن البلاغة هي السابقة التاريخية للسانيات النّص إذا أخذنا في الاعتبار توجهها العام المتمثّل في وصف النصوص وتحديد وظائفها المتعدّدة .

ـ التأكيد على أواصر القرابة بين علم المعاني وعلم النحو؛ حيث لا يمكن للدارسين الفصل بينهما.

ـ هناك من علماء العرب من تفطن لتلك العلاقة الرابطة بين اللغة والنحو والمعنى؛ تم إيرادها في مؤلفاتهم العلمية. (عبد القاهر الجرجاني)

ـ إن النصوص البلاغية واللسانية النصية تختلف جودتها بمدى درجة تأثيرها في المتلقي.

ـ إن كليهما (النص البلاغي ولسانيات النص) يرتكزان على دراسة العلاقة المنطقية العقلية بين جمل النص.

ـ إن لسانيات النص والبلاغة يسعى إلى توفير قرائن داخل النص.

 تقاطع لسانيات النص مع الانثربولوجيا : 

   الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) علم متعدد الفروع من بين فروعه الأنثروبولوجيا اللغوية  التي تهتم بكيفية تأثير اللغة على الحياة الاجتماعية للإنسان أي أنها تدرس البشر من خلال اللغات التي يستخدمونها. وقد توسعت خلال المائة عام الماضية لتشمل تقريبًا أي جانب يختص  بتركيب اللغة واستخدامها.  كما أنها توضح كيف أن اللغة تمثل التواصل، وتشكل الهوية  الاجتماعية والمشاركة في مجموعة وتنظم معتقدات وأيدلوجيات ثقافية على نطاق واسع وتنمي التمثيل الثقافي للعالم الطبيعي والاجتماعي.

  وقد عمل الأنثربولوجيون أمثال ( فلادمير بروب و ستروس Strauss و مالينوفسكي  Malinovski)  على تحليل المناهج والأنماط السائدة في الأدب الشعبي والأسطوري لتحليل البنى  وتفكيك الرموز لفهم  الأسس المؤثرة في قدرة الناطقين بلغة من اللّغات على تأليف النصوص واستعمالها للاتصال بين الأشخاص .

©   تقاطع لسانيات النص مع علم الاجتماع :

 استعان الباحثون في علم الاجتماع بلسانيات النص للكشف على كثير من القواعد التي تتحكم في أداء النصوص على اختلاف وظائفها الاعلامية والتثقيفية والتواصلية  وكذا تحليل المحادثة بوصفها صيغة للتنظيم والتفاعل الاجتماعي .

©   تقاطع لسانيات النص مع علم النفس و علم التربية:

   اهتم  كلّ من علم النفس وعلم التًربية بالطرائق المختلفة  لفهم النّصوص وعمق استيعابها وإعادة صياغتها . فالنفس البشرية متعلقة بإنتاج النص   

   وفهمه ، وعلم التربية  يحتاج لسانيات النص  لفهم كيفية بناء النص وفهمه .       

     فالنصوص من منظور المنهج اللساني النصي تتطلب دراية واسعة بالمستويات اللغوية التي تشكل صلب البحث النصي وغير اللغوية التي تتشكل من خلفياتنا المعرفية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الفصل بين هذه المستويات، حيث صارت مختلف الميادين والاختصاصات(الأدب،علم النفس،علم الاجتماع، والترجمة) تفرض نفسها في إنتاج النصوص وتحليلها لتدخل بذلك ضمن دوائر اهتمامات لسانيات النص، بعدما أقبل الكثير من العلماء والدارسين إلى إحداث توافق بين نظرية لسانية وأخرى غير لسانية، حيث أن الدراسة العلمية الدقيقة هي نتاج الجمع بين كل تلك المعارف لتصبح بذلك لسانيات النص علما متداخل الاختصاصات متعدد المنابع.

المحاضرة السادسة : النص وتعريفاته

يعد النص نقطة التلاقي بين  العديد من المجالات المعرفية، إذ لا يكاد يخلو مجال من وجود النص. إلا أن وجهة النظر، وطريقة الاشتغال، وأشكال المقاربة، تختلف من مجال إلى آخر، ومن شخص لآخر، ومن نص لآخر. ولعل ذلك راجع لما عرفه ويعرفه مصطلح النص من تعدد دلالي، تطور عبر التاريخ.

1- التعريف اللغوي للنص: إنّ المتتبع لكلمة "النص" في المعاجم العربية يلاحظ كثرة الدلالات التي ترتبط بها، فقد جاء في مقاييس اللغة: "النون والصاد أصل صحيح يدل على رفع وارتفاع وانتهاء في الشيء... ونصصت الرجل: استقصيت مسألته عن الشيء حتى تستخرج ما عنده. وهو القياس، لأنك تبتغي بلوغ النهاية". ويقول ابن منظور: "النص: رفْعُك الشَّيْءَ. نَصَّ الْحَدِيثَ يَنُصُّه نَصًّا: رفَعَه. وَكُلُّ مَا أُظْهِرَ، فَقَدْ نُصَّ......وأَصل النَّصّ أَقصى الشَّيْءِ وغايتُه"وفي تاج العروس "أَصْلُ النَّصِّ: رَفْعُك لِلشَّيْءِ وإظهاره فهو من الرفع والظهور ومنه المنصة.... نَصَّ الشَّيْءَ (يَنُصُّهُ) نَصّاً: حَرَّكَهُ "يقول أيضا "النَّصُّ: الإِسْنَادُ إِلى الرَّئِيسِ الأَكبَر. والنَّصُّ: التَّوقِيفُ. والنَّصُّ: التَّعْيِينُ على شَيْءٍ مَا، وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ، من النَّصِّ بمَعْنَى الرَّفْعِ والظُّهُورِ".   فــالنص إذن  يعني؛ الغاية والمنتهى، والتحريك. والتعيين والتوقيف. إلا أن هذه المعاني المختلفة ما هي إلا مجازات، فالمعنى اللغوي الأصلي هو الرفع الظهور.

 ب‌في اللغات الأوروبية:

نجد في اللغة الفرنسية مثلا  أن مصطلح نص Texte يرتبط بالنسيج أو الأسياخ المظفرة، ويعود المصطلح إلى ما تعنيه كلمة النسيج " في المجال المادي الصناعي، وقد نتج عنها اشتقاقات لا تخرج عن هذا المعنى الأصلي، ثم نقل هذا المعنى إلى نسيج النص، ثم اعتُبر النص نسجًا من الكلمات". وترتبط كلمة النسيج بعدة دلالات قريبة من معنى النص اصطلاحاً ومنها: " دقة التنظيم، وبراعة الصنع، والجهد، والقصد، والكمال والاستواء". وهكذا فالنص في اللغات الأجنبية مشتق من الاستخدام الاستعاري في اللاتينية لمعاني الحياكة والنسيج.

 2-  التعريف الاصطلاحي للنص:

تتعدد تعريفات النص حسب التوجهات المعرفية والنظرية للباحثين واختلاف مقارباتهم، بل قد تتعدد تعريفات الباحث الواحد حسب توجهاته النقدية المختلفة، فرولان بارت Roland Barthes مثلاً "تعددت تعريفاته للنص الأدبي بتعدد المراحل النقدية التي مرّ بها، منذ المرحلة الاجتماعية، وحتى المرحلة الحرة، مروراً بالبنيوية، والسيميائية"وهذا التنوع في تعريف النص "يدل على عدم استقرار المفهوم من جهة وتباين طرقه الإجرائية في حقول معرفية مختلفة من جهة أخرى"، بل "إن مسألة وجود تعريف جامع مانع للنص مسألة غير منطقية من جهة التصور اللغوي.

 أ‌ تعريف النص عند العرب:  يختلف معنى النص اصطلاحا حسب المجال المعرفي الذي تتم فيه الدراسة، ففي اصطلاح الأصوليين يدل النص على "مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا أَو ما لَا يحْتَمل التَّأْوِيل". أما عند أهل الحديث فقد جاء بمعنى الإسناد، والتعيين، والتحديد، فيقولون نص عليه في كذا. ونجده عند الفقهاء بمعنى الدليل الشرعي كالقرآن، والسنة، ومنه قولهم: "لا اجتهاد مع النص". 

إن الذي يهم هنا هو النص في اصطلاح النقاد. وفي هذا الصدد نجد مجموعة من المساهمات العربية لعدد من الباحثين، ومنهم طه عبد الرحمان الذي يعرف النص بأنه "بناء يتركب من عدد من الجمل السليمة مرتبطة فيما بينها بعدد من العلاقات. وقد تربط هذه العلاقات بين جملتين أو بين أكثر من جملتين". ويعرف سعيد يقطين النص بأنه:" بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية)، ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة ".  

 ويرى محمد مفتاح أن النص "وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة"، ويعرفه أيضا من خلال بعض المقومات الأساسية، فالنص عنده مدونة كلامية، وحدث تواصلي، وتفاعلي، وله بداية ونهاية، أي أنه مغلق كتابيا، لكنه توالدي معنويا لأنه "متولد من أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية...وتتناسل منه أحداث لغوية أخرى لاحقة له".

فالنص إذن بنية لسانية ذات دلالة، وذات بعد تواصلي، تحقق الأدبية من خلال مجموعة من المبادئ، كالانسجام والاتساق وتنتجه ذوات متعددة سواء قبل الكتابة أو أثناءها أو بعدها.

ب‌-   تعريف النص  عند الغربيين:   يرى الباحث الروسي لوتمان Lotman الذي أن النص يعتمد على ثلاثة مكونات: - التعبير: أي الجانب اللغوي. والتحديد: أي أن للنص دلالة لا تقبل التجزئة. "فهو يحقق دلالة ثقافية محددة، وينقل دلالتها الكاملة". و الخاصية البنيوية وتعني أن النص بنية منظمة وليس مجرد متوالية من العلامات، بل التنظيم الداخلي ضروي للنص وأساس في تكوينه.

 ويرتبط النص عند العالم اللساني هلمسليف Louis Hjelmslev بالملفوظ اللغوي المحكي أو المكتوب، طويلا كان أو قصيرا " فعبارة stop أي قف هي في نظر هالمسليف نص". وعند تودوروف "النّص إنتاج لغوي منغلق على ذاته، ومستقل بدلالاته، وقد يكون جملة، أو كتاباً بأكمله". وهذا الانتاج اللغوي لا شك له وجهان، وجه اللفظ ووجه المعنى، ولا يمكن تعريف النص من خلال اللفظ فقط، بل هناك من أعطى الأولوية للمعنى على اللفظ، حيث يكون النص "وحدة دلالية، وليست الجمل إلا الوسيلة التي يتحقق بها النص".

 ويرى فان ديك Van Dijk  ، من خلال كتابيه: (بعض مظاهر قواعد النصّ1972) ، و (النصّ والسياق1977) ، أن "النصّ نتاج لفعل ولعملية إنتاج من جهة، وأساس لأفعال، وعمليات تلقٍ واستعمال داخل نظام التواصل والتفاعل، من جهة أخرى".

 أما هاليداي M. Halliday و رقية حسن R.Hassan فقد أكدا في كتابهما (الاتساق في الإنكليزية1976): أن النصّ "وحدة لغوية في طور الاستعمال، وهو لا يتعلق بالجمل، وإنما يتحقق بواسطتها. وهما يركزان على الوحدة والانسجام في النصّ من خلال الإشارة إلى كونه وحدة دلالية"، ولا يهتمان بالطول حيث يقولان" النص يمكن أن يكون له أي طول.... وبعض النصوص تتشابه في الحقيقة من حيث إنها يمكن أن تكون أقل من جملة واحدة في التركيب النحوي مثل: التحذيرات، العناوين، الإعلانات، الإهداء

و يرى روبرت دي بوجراند De Beaugrande Robert أن النص قد يتوسع، ليشمل أي علامة لغوية دالة، سواء مكتوبة أو منطوقة أو إشارة مرئية كلغة الإشارات. فالنص في نظره قد "يتألف من عناصر ليس لها ما للجملة من الشروط (مثلا علامات الطرق والإعلان والبرقيات ونحوها".  وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدارسين يرون أن مفهوم النص يتداخل مع مفهوم الخطاب، ومنهم فان دايك الذي يرى أن "النص والسياق يعتمد كلّ منهما على الآخر"، فالسياق يحيل على الخطاب وفي الاتجاه نفسه يربط بوجراند بين النص وعناصر خارجية تؤكد ارتباط النص بالخطاب، فيقول: "ينبغي للنص أن يتصل بموقف يكون فيه، تتفاعل فيه مجموعة من المرتكزات، والتوقعات، والمعارف، وهذه البيئة الشاسعة تسمى سياق الموقف".

 ويرى بول ريكور Paul Ricœur أن النص هو خطاب تمت كتابته، حيث يقول:" لنطلق كلمة نص على كل خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة"، فالكتابة إذن تضمن استمرارية الكلام، وهي كما يعرفها دريدا" تثبيت الأصوات اللغوية بواسطة علامات خطية".

ومقابل هذه الآراء نجد البعض الآخر يرى أن هناك اختلافا بين النص والخطاب، فالثاني يرتبط بالتلفظ والتداول، أي له وجود سياقي، بينما النص يتعلق بوجود لساني خارج السياق، أي له وجود نسقي إن صح التعبير، ومن هؤلاء ميشيل آدم الذي يرى أن الخطاب هو النص مع ظروف الإنتاج، والنص هو خطاب دون ظروف الإنتاج، وبعبارة أخرى" الخطاب يدمج السياق أي الظروف الخارج لسانية المنتجة له. في حين أن النص يبعدها بوصفه ترتيبا لقطع تعود إلى البعد اللساني"، فالنص بناء لغوي غير إنجازي عكس الخطاب. وفي هذا البحث تم تبني الرأي القائل بتطابق النص والخطاب، فكل نص هو خطاب في سياق تواصلي محدد، والخطاب لا يمكنه أن يكون إلا نصا في سياق ما.

( للتفصيل أكثرعن هذه المحاضرة العودة الى مقال"النص وتعريفاته" لــبوطاهر بوسدر  أو عناوين الكتب المذكورة في المحاضرة )

المحاضرة السابعة : إشكالية تصنيف النصوص (1).(2)

 أولا: نماذج تصنيف النصوص:

 المقصود بأنواع النّصوص هي النّماذج السائدة عرفيا لأفعال لغويّة حركيّة، ويمكن أن توصف بأنّها روابط نمطيّة في كل منها سمات سياقيّة (موقفيّة)، ووظيفيّة تواصليّة، وتركيبيّة (نحويّة-موضوعيّة)، وقد تطوّرت من النّاحية التّاريخيّة في الجماعة اللّغويّة، وتتبع المعرفة اللّغويّة لأصحاب اللّغة، ولها تأثير معياري، غيرأنّها تيسّر في الوقت نفسه التّعامل التّواصلي بأن تقدّم المتواصلين بدرجة أكثر أوأقل توجيهات محكمة لإنتاج النّصوص وتلقّيها.     وفي حين يعرّف النّمط" بأنه الطريقة التّقنيّة المستخدمة في إعداد النّص وإخراجه بغية تحقيق غاية المرسل منه، ولكلّ فنّ أدبيّ نمط يتناسب مع موضوعه، ولكل نمط بنية و ترسيمة تتلاءم مع الموضوع المطروح".  إن دراسة أبنية النّصوص و أنواعها ولّد ما يعرف بـ"علم أنواع النّصوص اللّغوي" الذي يمكن أن يفرّق فيه-تقريبا- بين اتّجاهين بحثيين رئيسيين:

أ)- النّهج البحثي المؤسّس على نظام اللّغة، والذي يحاول بناء على سمات تركيبيّة، أي سمات نحويّة في المقام الأول(مثل: صورالرّبط الضميري للجمل، واستعمال عناصر إشارية، وتوزيع الأزمنة....إلخ) وصف أنواع النصوص وحدها.

ب)- النّهج البحثي الذي يوجّهه التّواصل الذي يستهدف حل إشكالية أنواع النّصوص انطلاقا من جوانب موقفيّة وتواصليّة وظيفيّة.

 لكن الملاحظ أن البحوث التّركيبيّة المؤسّسة على النّظام اللّغوي لم توفّق في تأسيس أوجه تفريق أكثر دقّة مميزة لأنواع النّصوص، فأوجه التّمييز المقترحة بناء على سمات نحويّة، على سبيل المثال في نصوص علميّة وغير علميّة لن تبلغ مدى بعيدا.

  وعلى العكس من ذلك يمكن أن يحكم على النّهج البحثي الذي توجّهه نظريّة التّواصل أوالفعل بأنّه نهج ناجح إلى حد بعيد، وهو يناسب بقدر بالغ معرفتنا الحدسيّة(اللّغويّة-اليوميّة) بأنواع النّصوص. وعلى ضوء هذين الاتّجاهين البحثيين ظهرت بعض التّصنيفات النّصيّة، ومنها نذكر:

1.2- تصنيف جلنس(H.Glenz):

  ويقوم تصوره على أسس تواصليّة دلاليّة تبرز الوظيفة الأساسيّة أو مفهومها يندرج تحت مجموعة من الأشكال النّصيّة المشتركة في الوظيفة المحدّدة، وهكذا يمكن أن تكون أنماط النّص الرئيسة كما يـلي:

  - نصوص ربط(وعد،عقد، قانون، إرث، أمر).

  - نصوص إرشاد(التماس، خطاب، دفاع، نصوص عادية، خطاب سياسي، كتب تعاليم وإرشاد).

  - نصوص اختزان(ملاحظات، فهرس، دليل، تلفون، يوميات، تخطيط، مسودّات).

  - نصوص لا تنشر علانيّة(تقدير،عرض، رسالة، بطاقة).

  - نصوص تنشر علانيّة(خبر، كتاب، دراسة، رواية، قصة، مسرحية، شعر)

  نلاحظمن تصنيف"جلنس": وإن كان مستندا على أشكال التّواصل أنّه لا نستطيع فيه التّمييز الدّقيق بين الأشكال النّصيّة، فبعض النّصوص نستطيع أن نجعلها في عدّة أصناف مثل:كتاب ، عرض...

2.2- تصنيف ايجنفاليد(Eigenvald):

  - نص صحفي، مثل:النّص الخبري ، تقرير، افتتاحية، تعليق.

  - نص اقتصادي، مثل:الجزء الاقتصادي في صحيفة.

  - نص سياسي: خطبة سياسية، قرار، منشور، بيان تنديد.

  - نص قانوني : رسالة مهام، نص دستوري، حكم قضائي، نص معاهدة.

  - نص علمي: نص من العلوم الطبيعية، نص من العلوم الاجتماعية.

  إن الملاحظ على هذا التصنيف أنّه لا يتأسس على معيار واحد ولايحقّق خاصيّة التّجانس كما ينبغي وإن كان من الصعب أن يتحقق ذلك.16

3.2- تصنيف جروسه (Grosse ):

1- نصوص معياريّة ذو وظيفة معياريّة. مثل:القوانين، اللوائح، شهادات الميلاد.

2- نصوص الاتصال ذو الوظيفة التّواصلية، مثل:كتابات التّهنئة والمواساة.

3- النّصوص الدالة على مجموعة، ذو وظيفة الدلالة على مجموعة، مثل:الأناشيد الجماعيّة.

4- نصوص شعريّة ذو وظيفة شعريّة. مثل:القصيدة، الرواية، المسرحيّة...

5- نصوص قائمة على الذّات ذو وظيفة ذاتيّة، مثل:اليوميات، سيرة الحياة، ترجمة ذاتيّة.

6- نصوص قائمة على الطلب. مثل:إعلان، دعاية، برامج، التماس، كتابة رجاء...

7- فئة التّحول. مثل: نصوص تقدم بوظائف طلبيّة ونقل المعلومات.

8- نصوص قائمة على الخبر الموضعي ذو وظيفة نقل المعلومات. مثل:الخبر، التنبؤ بالطقس، النّص العلمي.

 إن ما يلاحظ على تصنيف "جروسه" أنّه ركّز على الوظيفة التي يؤديها النّص، لكن هذا يبدو غير كاف لأن الوظائف كثيرة ويصعب حصرها، فمثلا إن الوظيفة التّواصليّة لا تقتصر على كتابة التّهنئة والمواساة فقط، بل توجد في كامل النّصوص، لذا فإن هذا التّصنيف يفتقر إلى التّجانس كسابقه.

 ثانيا : تصنيف النصوص في لسانيات النص  :

 حاولت لسانيات النص الابتعاد عن التّصنيف الفطري وسعت إلى وضع معايير أكثر دقة تصنّف على أساسها مختلف النّصوص والخطابات، والمحاولات في هذا المجال كثيرة نذكر منها:

أ- التّصنيف على أساس وظيفي تواصلي:

 وهو يركز على الوظيفة اللّغويّة المهيمنة في النّص، والمرجع الأساسي لهذا التّصنيف هو "رومان جاكسون" الذي ميّز بين مختلف النّصوص بحسب الوظيفة الأكثر بروزا فيها:

- نصوص تهيمن فيها الوظيفة المرجعيّة (La fonction référenctielle)، وهي التي يأتي فيها عرض لمعلومات أو أخبار، فهي نصوص إعلامية إخبارية بدرجة أولى.

- نصوص ذات طابع تأثيري، وهي التي يكون التّركيز فيها على المتلقي من أجل إقناعه والتأثير فيه، وتكثر فيها صيغ الخطاب والطلب.

- نصوص ذات طابع تنبيهي(phatique)، وهي تهدف أساسا إلى الحفاظ على استمراريّة التّواصل ومراقبة مدى فعاليّته ونجاعته كما تولي عناية خاصّة إلى تسلسل النّص وترابطه حتى يتمكن المتلقي من متابعته.

- نصوص ذات طابع معجمي أو لغوي صرف (La fonction métalinguistique)، وهي التي يأتي التّركيز فيها على وسيلة الاتّصال من حيث وضوحها، وحسن أدائها لوظيفتها، وتتجسّد في شرح المتكلم وتبسيطه لبعض عباراته أو كلماته.    

- نصوص ذات طابع إنشائي(La fonction poétique)، وهي النّصوص التي يكون الاهتمام منصبّا فيها على الجانب الشّكلي، كتحسين التّراكيب وانتقاء الكلمات بما يكسبها طابعا جماليا وفنيا مميّزا.

  وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتّجاه البنوي، ومن بعده الاتّجاه الوظيفي التّواصلي، قد وظّفا تصنيف "جاكسون" في التّمييز بين النّصوص وتحليلها.

ب- التّصنيف السّياقي أو المؤسّساتي:

  وهذا التّصنيف ذو طابع اجتماعي، باعتباره يركّز على الوظيفة التي يؤدّيها النّص، وقد تمخّض عن هذا التّصنيف ما هو متداول حاليا من تمييز بين النّصوص الإعلاميّة والدّينيّة والإشهارية والإداريّة وغيرها، وكما هو واضح فكل نوع من هذه الأنواع بالإمكان ردّه إلى المؤسسة الاجتماعيّة التي يصدر عنها.

ثالــثا - التّصنيف النصوص  حسب العمليّة الذّهنيّة الموظّفة في النّص:

   يعتبر هذا التّصنيف من أكثر التّصنيفات وضوحا ودقّة، فهو التّصنيف الذي يميّز بين أنواع النّصوص حسب العمليات الذّهنيّة أو العقليّة التي توظّف في النّص أكثر من غيرها، كالاستدلال أو الشّرح أو العرض أو السّرد وغيرها، وعليه فقد ميّز بين الأنواع التّالية:

1.3النّص الحجاجي(Le texte argumentatif):   إن النيّة أو القصد في هذا النوع من الخطاب، هو تغيير اعتقاد يفترض وجوده لدى المتلقي، باعتقاد آخر يعتقد المرسل أنّه الأصح، كما ينطلق الحجاج في النّص من مبدإ أن للقارئ أو السّامع رأيا حول القضيّة المطروحة أو موضوع الكلام، ويهدف في النّهاية إلى الإقناع.  وتطّرد في هذا النّوع من النّصوص علاقات معيّنة، مثل العليّة والسببيّة والتّعارض وغيرها، وأما الاتّساق فيرتكز فيه على التّكرير والتّوازي والتّبيين.

  ويعدّ النّص الحجاجي نوعا مهمّا من النّصوص التي وصلت الدراسات بشأنه إلى نتائج هامّة جدّا، وتعد الأبحاث حول هذا النّوع من النّصوص امتدادا للموروث البلاغي، فهو حقل دراسي جديد تم استثماره في دراسة النّصوص الأجنبيّة، بينما تفتقد لغتنا العربية لهذا النّوع من الدّراسات بالرّغم من تنوّع نصوصها.

2.3- النّص الإعلامي(Le texte informatif):

  إن الغاية في هذا النّوع من النّصوص هي تقديم معلومات ومعارف حول موضوع معيّن يفترض أن المتلقي يجهلها، أو ليست لديه معلومات كافية حوله  ، وتتمثّل النّصوص الإعلاميّة في الصّحافة والإشهار ونستمدّها من المكتبات والأكشاك والمراكز الثّقافيّة والاشتراكات، وتستند على مؤشرات مرئيّة مثل العناوين في كتابتها ومضامينها وأنواع الطّباعة وتتوجّه إلى أغلب الجماهير لتمكّنها من الفهم الإجمالي للأحداث.

3.3- النّص السّردي(Le texte narratif):

  يحيل السّرد على واقع تجري فيه أحداث معيّنة في إطار زماني معيّن، يبيّن فيه الذي يحكي كيف تتحوّل الأحداث، وكيف تتطوّر عبر الزّمن، وعادة ما يشتمل الخطاب السردي على ثلاثة مراحل:الحالة الأولى(L’état unitial)،التّحولات الطارئة، والحالة النّهائية(L’état final) كما يشتمل أيضا على تدرّج معين(une progression) تفرضه مجريات الأحداث وتعاقبها.

4.3- النّص الوصفي(Le texte descriptif):

  يعكس الوصف واقعا فيه إدراك كلّي وآني للعناصر المكوّنة لهذا الواقع، وكيفيّة انتظامها في الفضاء أو المكان الذي توجد فيه، وقد يكون الأمر متعلّقا بموجودات جمادية أو بأشخاص أوبغيرها، كما يتمثل الوصف في محاولة نقل هذا الواقع بجزيئاته وتفاصيله.

 وفي نهاية هذه التّصنيفات نشير إلى التّصنيف الذي اقترحه "بشير ابرير" حيث صنّف النّصوص إلى" أدبية، علميّة، إعلامية، حجاجية برهانية، نصوص وظيفية إدارية".

   و يمكن القول : أن أغلب علماء النّص يؤكدون على صعوبة هذه العملية وذلك دليل في رأيهم على ما في اللغة من تعقيد وتداخل بين مختلف ظواهرها، ولقد كان "رومان جاكسون" سبّاقا إلى استنتاج ذلك عندما انتهى في تصنيفه لوظائف اللغة، إلى التّداخل الذي يحصل بين هذه الوظائف في أثناء الكلام. بحيث يتعذّر أن نجد نصّا يحتوي على وظيفة لغوية واحدة، تأثيريّة كانت أم تعبيريّة أم مرجعيّة أم إنشائيّة .

   فالنّمط السردي مثلا قد يتضمّن النّمط الوصفي أوالحواري أوكليهما وهذان النّمطان (النّمط الوصفي والحواري) يساعدان على إبراز القصّة المبنيّة على النّمط السّردي.

 وكذلك النّمط التّفسيري يحتوي على النّمط الإبلاغي ويتخطاه، ويساعد على توضيح الأفكار وشرحها في النّمط الذي يغلب عليه النّمط البرهاني.

  ولعل هذا ما جعل "محمد خطابي" يؤكد بأن النّصوص، وخاصّة الأدبيّة منها لا تخضع لانسجام تام إذ "كثيرا ما نجد نصوصا تتعايش فيها وظائف وصفيّة، سرديّة، حجاجيّة، ولا أدّل على ذلك من النّصوص الأدبيّة التي تتضمّن خليطا من الوصف والسرد والحجاج ممّا يدعو إلى البحث عن معيار آخر للتمييز".

 لذلك يقترح "آدم" وهو أحد أكثر اللّغويين الغربيّين اهتماما بالبحث في أنواع النّصوص، تحديدا مغايرا لا يكون على أساس النّظر في البنية العامّة للنّص، ولكن على أساس النّظر في طبيعة المقاطع المكوّنة له، ومدى هيمنة أحدها أكثر من غيره على النّص.

  ولذلك فقد ترتّب عن التّحديد إدخال بعض التّعديل على التّصنيف الذي سبق ذكره ليصبح كما يلي:

- نصوص يغلب عليها الطّابع الحجاجي:textes à dominante logico argumentative ) كالمدخلات العلميّة والمحاضرات والتّقارير....

- نصوص يغلب عليها الطّابع الإعلامي أوالإخباري:textes à dominante informative  ) كالمناشير والوثائق الإداريّة والتّعليمات الإداريّة، ونصوص كيفيّات الاستعمال....

- نصوص يغلب عليها الطّابع السردي:textes à dominante narrative)) كالروايات والسّير والمذكّرات والتّحقيقات والمحاضر.

- نصوص يغلب عليها الطابع الوصفي:textes à dominante descriptive)) كالقصص والروبورتاجات، وعرض التّجارب والمذكّرات.

 وإذا انتقلنا إلى تصنيف النّصوص في المجال التّعليمي، نجد أن المشكلة كبيرة أيضا، فإذا أردنا أن نكسب المتعلم كفاية نصيّة عالية (compétente textuelle) على المستويين القرائي والكتابي تعيّن علينا إطلاع التلميذ على عيّنة كافية من كل نوع من الأنواع النّصيّة بما يمكّنه من تمثّل واستيعاب الخصائص اللّغويّة والبنائيّة لكل نوع، لكن ونظرا للتّشعب الكبير للنّصوص، فقد رأى بعض البيداغوجيين أنّه من الأفيد تصنيف النّصوص حسب المهارة النّصيّة التي نريد تعليمها للتّلميذ، والمهارات النّصيّة محدودة مقارنة بأنواع النّصوص ونذكر منها:السرد والوصف والاستدلال والتّعبير، وعليه فقد خلصوا إلى التّصنيف الأخير الذي اقترحه "جون ميشال آدم".

  والجدير بالذكر أن هناك أنواع نصيّة أخرى وتصنيفات مغايرة غير التي ذكرناها ، وسواء أكان التّصنيف دقيقا أم لا، فإن ما ليس فيه اختلاف، هو وجود بعض الخصائص الشّكليّة والمعجميّة والبنائيّة القارّة في كل نوع، وهو ما يعني أن لكل نوع بنية مجردة، إذا استطعنا تحليلها والوقوف على خصائصها أمكننا توليد نصوص عديدة في إطارها.

رابعا - أهمية تصنيف النّصوص:   تكتسي عملية تصنيف النّصوص أهمية كبرى

- الوقوف على طريقة بناء واشتغال نمط معيّن من النّصوص يساعد في إيجاد أو وضع استراتيجيّات معيّنة للقراءة بحسب طبيعة كل صنف من النّصوص ممّا يسهّل علينا وضع طريقة لتدريس النّصوص، كما أن عرض نصوص عديدة من صنف واحد على التّلميذ والتّمرن المستمر على تحليلها أن يكسب التلميذ  كفاءة نصّية عالية على المستويين القرائي والكتابي معا.

-  إذا استوعب التّلميذ  ميكانيزمات (Les mécanismes) نوع معيّن من خلال تعامله مع نماذج عديدة منه، فإنّه يكتسب كفاية أو مهارة نصيّة تيسّر له التّعامل مع أي نص آخر بحيث يصبح بإمكانه تكهّن أوتوقع أشياء في النّص قبل الوصول إليها. 

-  إن تصنيف النّصوص خطوة هامة في عمليّة التّعليم والتّعلّم، وتطبيقها لن يكون ذو فعالية كبيرة إذا لم تقدم للمتعلّم نماذج عديدة من أنواع مختلفة من النّصوص تلبّي أذواق المتعلّمين وميولهم القرائيّة والتّعبيريّة المتماشية مع نبض العصر الحاضر.

        إن معرفتنا بأنواع النصوص والوقوف على خصائصها وطرائق انتظامها واشتغالها، من شأنه أن يمكّننا من وضع واتباع استراتيجيّات معيّنة للقراءة والكتابة حسب طبيعة كل نوع، ومنه إلى وضع طرق ملائمة لتعليميّة النّصوص على المستويين القرائي والإنتاجي (الكتابي).

 

المحاضرة الثامنة :المحادثة وتحليلها

1.      مفهوم المحادثة : المحادثة على صيغة (مفاعلة) تمثل تفاعلا كلاميا  يشترط فيه تحقق الفعل اللغوي المقصود من جميع المحادثين والمداخلين فيكون كل طرف  فاعلا ومفعولا به في الان نفسه   فهي توﺍﺼل ﺸﻔﻭﻱ ﺘﺘﻭﺯﻉ ﻓﻴﻪ ﺃﺩﻭﺍﺭ ﺍﻟﻜﻼﻡ.

2.      سمات المحادثة : تتميز المحادثة بـــ:

-          نشاط لغوي بين مشاركين اثنين على الأقل  ( وهذا هو الفرق الجوهري بين المحادثة والنص)

-          تناوب الأدوار بين المتكلمين

-          المكان والزمان  : إذ تتم المحادثة في مكان وزمان واحد بين المتكلمين ( لكن يمكن أن نسمي مكالمة الهاتف محادثة على الرغم من اختلاف أماكن التواصل  )

-          التقابل وجها لوجه : يشترط في المحادثة  ان يرى المتحدث سامعه ( لكن يمكن أن نسمي مكالمة الهاتف محادثة )

3.      مكونات المحادثة : تتكون المحادثة من : التبادل والتدخل والفعل الكلامي

-       التبادل : أصغر وحدة حوارية مكونة للتفاعل. وهناك نوعان من التبادلات :

أ-   تبادلات تأكيدية(confirmatifs)  وهي الملائمة لتبادلات الافتتاح والاختتام  وتتكون من تدخلات طبيعة تعبيرية مثل التحيات :

                             - السلام عليكم         - عليكم السلام  

            -  كيف حالك؟                 - بخير ، شكرا. وأنت؟

أ-   تبادلات اصلاحية (réparateurs) وتقوم فكرة التبادل الإصلاحي على مبدأ إصلاح إهانة غير متعمدة: مثل :

-( دفع غير متعمد أثناء السير ) – اعتذر منك                     - لا تقلق

 

-        التدخل: هي أكبر وحدة أحادية الكلام (مونولوجية) مكونة للتبادل. والتدخل ينتجه متكلم واحد ونفسه؛ فهو بالتالي إسهام متكلم خاص في تبادل خاص ،  (( 1) - السلام عليكم   / ( 2)- عليكم السلام/  ( 3) – هل أنت بخير  /  ( 4): -   بخير./ وأنت؟

 ( 5): - لا بأس.../ أين تجري هكذا؟ / ( 6)  -  إلى الجامعة ". )    فهذه الأدوار الكلامية الستة تتكون من أربع تبادلات، هي

- ( 1) و( 2) هو تبادل التحية، وهو تطابقي، ومتكون من تد خلين .          - ( 3) وبداية ( 4): هو تبادل تكاملي سؤال  جواب

- نهاية ( 4): وبداية ( 5): سؤال  جواب                                                   -    نهاية( 5): و( 6) سؤال  جواب

-  الفعل الكلامي(acte de langage)   هي أصغر وحدة أحادية الكلام (مونولوجية) مكو نة للتد خل  ، تؤدي غرضا تواصليا، وهي مثل: أسمي، أعد أتعهد، أرفض، أعلن، أعتذر، أهنئ، أعلن افتتاح الجلسة... ، حيث يعبر المتكلم عن مقاصده، وتؤدي هذه الأفعال وظائف اجتماعية مختلفة كالاعتذار، والاعتراض، والقبول، والوعد، والتعزية، والتهنئة...

4            - بنية المحادثة: تركز بعض الدراسات في تحليل بنية المحادثات على سلاسل التفاعل اللفظي ، وتنتظم على مستويين أساسيين، هما:

أ  البنية العامة الكبرى والعليا): يميز الباحثون في المحادثة بين أبنية كبرى (أي أبنية كلية دلالية)، وأبنية عليا (أبنية عامة هيكلية). ويقصد هنا بالبنية العليا بنية المحادثة ككل، أي وحدات تحليل أكبر.  والمحادثة العادية تتألف غالبا من الفئات التالية: "التحيات المدخل إلى موضوع المحادثة، موضوع المحادثة، إغلاق لموضوع المحادثة، بداية إغلاق المحادثة، الإغلاق الفعلي، التحيات.

ب  البنية الصغرى للمحادثة: يركز التحليل، على مستوى البنية الصغرى على المنطوقات المنفردة وعلاقاتها  بالمنطوقات والأفعال الكلامية الخاصة بالمحادثة وبكيفية تنظيمها.

 

 

 

 

 

 

 

بنية كبرى

-      السلام عليكم

- افتتاحية

بنية صغرى

-      وعليكم السلام

-  تبادل تأكيدي

بنية صغرى

-      كيف حالك ؟

-  تدخل

بنية صغرى

-       بخير

- تدخل

بنية صغرى

-      هل ترى فائدة من دراسة لسانيات النص؟

-  تدخل

بنية صغرى

-      عفوا. لم أع  سؤالك

- تبادل اصلاحي

بنية صغرى

-      أقصد. هل تستفيد من  دراستك للسانيات النص ؟

-  فعل كلامي

بنية صغرى

-      نعم . قليــــلا

-  

بنية صغرى

-      آه. شكرا على صراحتك

- فعل كلامي

بنية صغرى

-      عفــــوا

- فعل كلامي

بنية صغرى

-      السلام عليكم

- اختتامية

بنية صغرى

-      وعليكم السلام

- اختتامية

بنية صغرى

 

المحاضرة التاسعة : النصية ومعاييرها

1- النصيةla textualite:

هي المقومات التي يتميز من خلالها النص عن اللانص، كما أتها تمثل المباحث الأساسية للسانيات النص. ويعد" دي بو جراند" من أوائل علماء النص الذين حددوا بدقة متناهية معايير النصية، بحيث جاءت شاملة لكل تعاريف النص على اختلافها، وقد ضمن ذلك كتابه : (النص والخطاب والإجراء) حيث يقول: "وأنا أقترح المعايير التالية لجفل النصيةTextuality أساسا مشروعا لإيجاد النصوص واستعمالها".

2- معايير النصية:

- الاتساق La cohésion ،  - الانسجامLa cohérence ،   - المقصدية L’intentionnalité  ،  -المقبولية L’acceptabilité ،           - السياق Le contexte ، - التناص L’intertextualité ، وأضاف إلى معاييره معيار: – الإخبارية أو االإعلامية Informativité.

ويصنف "سعد مصلوح" هذه المعايير إلى ثلاثة أصناف.

1 – صنف يتصل بالنص، ويشمل معياري الاتساق والانسجام.

2 – صنف يتصل بمنتج النص ومتلقيه، ويشمل معياري المقصدية والمقبولية.

3 – صنف يتصل بظروف إنتاج النص وتلقيه، ويضم معياري السياق والتناص.

أولا - الاتساق cohesion:

   يتأسس مفهومه على الترابط الشكلي للنص أو ما يجعل سطح النص ( Surface du texte) مترابطا ترابطا يفضي أوله إلى آخره.

يعني مصطلح "سطح النص" أو ظاهر النص ، العناصر اللغوية التي نتلفظ بها أو نسمعها في تعاقبها الزمني، والتي نكتبها أو نراها بما هي سلسلة من الملفوظات المنتظمة على صفحة الورق، لكنها لا تشكل نصا إلا إذا توافر لها من أدوات الاتساق ما يجعل النص محتفظا بكينونته واستمراره.

ويتجلى"الاتساق" في المظاهر الآتية:

1 – الترابط الموضوعي، بأن يعالج النص قضية معينة أو يتكلم في موضوع محدد فالوحدة الموضوعية تقتضي عدم التناقض، والانتقال غير المبرر من فكرة إلى أخرى لا ترابط منطقي

2- ضرورة توفر النص على نوع من التدرج( Progression) سواء أتعلق الأمر بالعرض أم بالسرد أو بالتحليل، وهو ما يشعر القارئ بوجود مسار معين للنص واتجاهه نحو غاية محددة، ويجعله يتوقع في مرحلة ما من مراحله ما سيأتي بعدها.

 3 – يتعين على النص أن يتوفر على معيار الإختتام (La cloture) وهذا من منطق أن كل كيان لغوي يستوجب أن يتكون من مقدمة، وجوهر وخاتمة. والنص الذي لا يختم يفقد الكثير من حصافته واتساقه، ولا يستطيع قارئه لاأن يدرك بوضوح غائيته.

4 – أن يكون للنص هوية وانتماء؛ أي نوع (Type) لأن الكفاية النصية العامة للمتكلمين بلغة ما تقترن دائما بـ " كفاية نوعية" تتمثل في قدرة القارئ على التمييز بين أنواع من النصوص، بغض النظر عن مضامينها. وهذا يقتضي من ممارسي الكتابة احترام خصائص كل نوع نصي، إذا أراد أن يحقق لنصه المنجز اتساقه.

ويحيل الاتساق إلى العلاقات أو الأدوات التي تسهم في الربط بين أجزاء النص الداخلية من ناحية وبين النص والبيئة من ناحية أخرى.

وتنقسم هذه الأدوات إلى أدوات ترابط نصية، وهي: الإحالة، الاستبدال، الحذف، الوصل، والفصل. وأدوات ترابط معجمية: تتحقق عبر ظاهرتي: التكرار والمطابقة.

1 – أدوات الترابط النصية : Reference:

1/أ – الإحالة:

تبرز في النص من خلال الوسائل النحوية التالية: الضمائر، وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، وأدوات المقارنة مثل: التشبيه، وكلمات المقارنة، مثل: أكثر، أقل وتنقسم الإحالة إلى نوعين رئيسيين: إحالة مقامية وإحالة نصية. وتتفرع الإحالة النصية إلى: إحالة قبلية؛ أي الإحالة إلى أمر سابق، وإحالة بعدية؛ أي الإحالة إلى أمر لاحق،

1/ب -الاستبدال – Substitution:

هو عملية تتم داخل النص، انه تعويض عنصر في النص بعنصر آخر،، ويسهم الاستبدال في الترابط النصي ويشمل المستوى النحوي والمعجمي بين مفردات أو عبارات، ويفرق نحاة النص بين ثلاثة أنواع للاستبدال هي كالآتي:

1 – استبدال إسمي Substitution nominale :  من خلال استخدام عناصر لغوية اسمية ( آخر، آخرون، نفس)

مثال1: فأسي جد مثلومة، يجب أن أقتني أخرى حادة.   / مثال2 : سيارتي قديمة يجب أن أشتري أخرى جديدة.

2 – استبدال فعلي –Substitution Verbale: من خلال استخدام الفعل ( يفعل )

مثال1: هل تعتقد أنه يذكر هذا؟ أعتقد أن الجميع يفعل.  / مثال2 : قال تعالى ( وقيل اضرب بعصاك الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) ( سورة البقرة الآية 60). استبدلة جملة جواب الطلب وهي من المفروض : فضرب الحجر بعصاه بجملة أخرى ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عيا). وترتبط هذه الجملة بالجملة محذوفة بعلاقة سببية أشير اليها في السابق.

فالاستبدل يسهم في ترابط النص، كونه علاقة قبلية بين عنصر سابق في النص وعنصر لاحق عليه . وهذا يحقق نوعا من التلاحم والاستمرار على مستوى الكلام كما يمكن كاتب النص من عرض أفكاره دو تكرار كلمات بعينها، ودون الاستعمال المفرط للضمائر، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على مقروئية النص .

3 – استبدال قولي – Substitution Clausule:  وينم باستخدام ( ذلك )

مثال1: <<لا شك أنك توافق على وقوع المعركة؟>> قال تويد لدوم بصوت هادئ.<< أفترض ذلك>> أجاب الآخر مستاء، زاحفا خارج المظلة. ففي هذا المثال حل العنصر <<ذلك>> محل قول برمه، وهو افترض الموافقة على المعركة

مثال2: قوله تعالى ( أرأيت غذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسنيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا(63) قال ذلك ما كنا نبغي فارتد على آثارهما قصصا(64)). سورة الكهف

فكلمة "ذلك" جاءت بدلا من الآية السابقة عليها مباشرة. فكان هذا الاستدلال عاملا على التماسك النصي بين الآيات الكريمة.

1/ج- الحذف: - Eliminiation :

    يتم الحذف عندما تكون هناك قرائن معنوية أو مقالية تومي إليه وتدل عليه، وهذه الوسيلة الاتساقية تترك مساحة للقارئ ليمارس فعل القراءة، فيعمل على استحضار العناصر المحذوفة في ذهنه حتى يصل بها البنية السطحية للنص، التي تبدو للوهلة الأولى بنية متقطعة وغير مستمرة؛ أي أنه بحث عن العنصر اللغوي المفترض. والحذف عند "هاليداي" و " رقية حسين" أنواع:

1 – الحذف الاسمي: حذف اسم داخل المركب الاسمي، ولا يقع الا في الأسماء المشتركة:

مثال: أي الطريقين ستأخذ؟ هذا هو الأسهل.

2 – الحذف الفعلي: حذف داخل المركب الفعلي:

مثال: فيما كنت تفكر؟ المشكلة التي أرقتني. والتقدير أفكر في المشكلة.

3 – الحذف داخل شبه الجملة:

مثال: كم ثمنه؟ عشرون دينارا. والتقدير: ثمنه عشرون دينارا.

1/ دالوصل والفصل Cojonction/Disjonction :

* يشير الوصل الى إمكان اجتماع العناصر والصور وتعلق بعضها ببعض إنه يعمل على ربط سابق بلاحق وأشهر أدوات الوصل أو الربط حروف الطف وصور هذا الربط هي:

1 – مطلق الجمع Conjonction : يربط بين صورتين أو أكثر متحدتين من حيث البنية، ويمكن استخدام الواو بالإضافة إلى علاوة على ذلك.

2 – التخيير dis cojonction : يربط بين صورتين تكونان متماثلتين من حيث المحتوى ويقع الاختيار على محتوى واحد وأداة الاختيار (أو).

3 – الاستدراك Contrajonction : ويضم صورتين من صور المعلومات بينهما علاقة نعارض: يمكن استخدام ( لكن، بل، مع ذلك).

4 – التفريع Sub ordination : يشير هذا النوع من الوصل إلى العلاقة بين صورتين بينهما حالة تدرج وتحقق إحداهما يتوقف على حدوث الأخرى، ويستخدم لذلك ( لأن، مادام، من حيث، ولهذا،...).

5 – التمثيل: ( على غرار، نحو، مثلا،...).

6 – الاختصار: ( بإيجاز، باختصار، على العموم، أخيرا،...)

7 – التعداد : ( أولا، ثانيا، في النهاية، بعد ذلك،...).

8 – التعاقب الزمني: ( قبل ذلك،، بعد ذلك، إثر هذا، ثم،...).

هذا النوع من الربط يشكل الصلة بين أول النص بآخره، مما يؤدي إلى تماسك نسيجه وتلاحم أجزائه.

* أما الفصل Dis coj on ction ، فيسهم في تماسك أجزاء النص باعتباره من أنواع الربط إلا أنه لا يعتمد على روابط شكلية تتجلى في البنية السطحية، بل يقوم على علاقة خفية قائمة بين جمل النص.

2 – الاتساق  المعجمي:

2/ أ – التكرار Recurrence :

ويقصد به إعادة عنصر من العناصر المعجمية المشكلة للنص، ويقدم التكرار أداة التوكيد والإيضاح ويتركب التكرار عند" هاليداي " و " رقية حسين" من أربع درجات هو ما يمكن توضيحه بما يلي:

1 – إعادة عنصر معجمي Repetition delement lexical :

مثال: شرعت في الصعود إلى القمة، الصعود سهل للغاية.

2 – الترادف أو شبه الترادف Synonyme ou pres de synonyme :

مثال: شرعت في الصعود إلى القمة، التسلق سهل للغاية.

3 – الاسم الشامل Nom global :

مثال: شرعت في الصعود إلى القمة العمل سهل للغاية

4 – الكلمات العامة Mots generaux :

مثال: شرعت في الصعود الى القمة الشيء سهل للغاية

2/ب – المطابقة – التضام- Collocation :

يتمثل في توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطهما بحكم هذه العلاقة وتلك ويبرز في شكل علاقات متنوعة منها:

1 – التضاد الحاد: ويمكن التمثيل له بالعناصر المعجمية: ميت/حي، أعزب/ متزوج، ذكر/ أنثى.

2 – التنافر: يرتبط بالرتبة أو الزمن أو الألوان مثل: أحمر، أخضر، أصفر.

        3- علاقة الكل بالجزء: مثل : علاقة اليد بالجسم، علاقة العجلة بالسيارة.

ثانيا - الانسجام Coherence :

يحتاج تحليل الانسجام من منظور " فان دايك " إلى تحديد نوع الدلالة التي ستمكننا من ذلك، وهي دلالة نسبية، أي أننا لا نؤول الجملة أو القضايا بمعزل عن الجملة والقضايا السابقة عليها. ووسائل انسجام النص كما ذكرها " دوبو جراند " هي:

العناصر المنطقية كالسببية والعموم والخصوص.

معلومات عن تنظيم الأحداث والأعمال والموضوعات والمواقف.

السعي إلى التماسك فيما يتصل بالتجربة الإنسانية، ويتدعم الالتحام بتففعل المعلومات التي يعرضها النص مع المعرفة السابقة بالعام.

* يشكل مصطلح الاتساق والانسجام زوجا واحدا، فلا يمكن دراسة أحدهما بمعزل عن الآخر، لارتباطهما الوثيق بالنص، ومن ثمة لا يتصور إقامة تفرقة بينهما أثناء التحليل النصي .

يدرس الانسجام مدى تماسك وترابط البنية الكلية المشكلة للنص، ويبحث الاتساق عن وسائل الترابط الشكلي للأجزاء المكونة له فالبحث في هاتين القضيتين يعد من صميم النظرية النصية؛ إذ أنه لا يتصور فصل بين المستويات اللغوية بما فيها النحو والدلالية والتداولية ذلك أن تفاعل تلك المستويات يفضي إلى قراءة واضحة لعالم النص، وهذا ما يرمي إليه التحليل اللساني المعاصر.

 


1.        مفهوم لسانيات النص1: النشأة والتطور

2.        مفهوم لسانيات النص2:من الجملة إلى النصّ

3.        مفاهيم أساسية في لسانيات النص

4.        بذور النصية في التراث

5.        تقاطع لسانيات النص والعلوم الأخرى

6.        النص وتعريفاته

7.        إشكالية تصنيف النصوص1

8.        إشكالية تصنيف النصوص2

9.        المحادثة وتحليلها

10.    النصية ومعاييرها

11.    الاتساق والانسجام

12.    القصد والقبول

13.    الإعلام والموقف والتناص

14.    إجراءات التحليل اللساني النصي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أهم مصادر ومراجع المادة:

1.         لسانيات النص مدخل الى انسجام الخطاب ، محمد خطابي

2.         استراتيجية التأويل ، محمد مفتاح

3.         علم اللغة النصي ، محمد العبد

4.         علم لغة النص المفاهيم والإجراءات ، حسن بحيري

5.         النص والخطاب والإجراء،  دو بوقــــراند (ترجمة تمام حسان)

6.          محاضرات في لسانيات النص ، جميل حمداوي

7.         المصطلحات الاساسية في لسانيات النص وتحليل الخطاب، نعمان بوقرة.

8.         الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب ،خليل بن ياسر البطاشى

9.         الترابط النصى بين الشعر والنثر ، زاهر بن مرهون بن خصيف الداودي.

10.      نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال، حسين خمري

 


عناوين محاضرات النحو الوظيفي:

1

النحو الوظيفي:     مفهومه

2

النحو الوظيفي: النشأة والتطور

3

 بذور النحو الوظيفي في التراث

4

مبادئ النظرية الوظيفية1

5

مبادئ النظرية الوظيفية2

6

الفروق بين الاتجاه البنوي والاتجاه الوظيفي

7

القدرة اللغوية والقدرة التواصلية

8

نحو الجملة ونحو النص

9

البنية في النحو الوظيفي(الحملية، الوظيفية)

10

بنية الجمل وأنماطها في النحو الوظيفي1

11

بنية الجمل وأنماطها في النحو الوظيفي)2

12

الوظائف  التركيبية في نظرية النحو الوظيفي

13

الوظائف  الدلالية في نظرية النحو الوظيفي

14

الوظائف  التداولية في نظرية النحوالوظيفي

















المراجع:

  1.      المنحى الوظيفي للغة العربية .لأحمد المتوكل
  2.       اللغة العربية والنحو الوظيفي .لأحمد المتوكل
  3.       الوظيفية بين الكلية والنمطية  " لأحمد المتوكل
  4.       التركيبيات الوظيفية " لأحمد المتوكل
  5.   قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية بنية "المكونات أو التمثيل الصرفي –التركيبي" .للمتوكل
  6.     " قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية "بنية الخطاب. من الجملة إلى النص " .لأحمد المتوكل
  7.      النحو الوظيفي يحيى بعيطيش