الصراع في النص المسرحي

الصراع الدرامي

     دعونا نتفق قبل البدء على أمرٍ هام، وهو أن المسرح يكتب ليعرض لا ليقرأ، وبناءً عليه يهدف صناع العمل لجذب الجماهير وإبقائهم في مقاعدهم حتى نهاية العرض المسرحي، وما يحقق هذا الهدف هو احتواء العرض على صراع درامي قوي، فالصراع الدرامي لأهميته يوصف بأنه العمود الفقري للأعمال المسرحية، هذا العنصر الذي يقوي العرض ويجعل الجمهور في حالة ترقب دائم لما سيحدث، فإن كان الصراع ضعيف يصاب الجمهور بالملل، هذا الملل الذي يمكن أن يؤدي لأن يصف الجمهور العرض بالسيء، بل لأن يرحل دون أن يكمل ما يشاهده على خشبة المسرح

 مكونات الصراع الدرامي

      يتكون الصراع الدرامي من بداية ووسط ونهاية، يبدأ منذ بداية الأحداث على خشبة المسرح، ويظل يتصاعد معها حتى يصل لمرحلة الذروة، يحدث هذا في ظل وجود مفارقة درامية قوية

ثم يحدث ما يسمى ب"الإكتشاف أو الإنقلاب" أي تحول مسار الأحداث من الجهل النسبي إلى العلم بخبايا ما كان يحدث طيلة الوقت، وبناءً على هذا الانكشاف تتشكل النتائج الحتمية للأحداث السابقة، وبذلك ينتهي الصراع.

يوجد نوعين من الصراع:

   صراع داخلي:    وهو ما يحدث بين الشخص ونفسه، وأبرز مثال عليه مسرحية هاملت لشكسبير، فالصراع هنا يدور داخل شخصية هاملت نفسه، يدور بين رغبته في الإنتقام لموت أبيه، ورغبته في الإستسلام ومتابعة الحياة بشكل طبيعي.

 : وينقسم إلى صراع الإنسان والطبيعة، وصراع الإنسان وإنسان آخر

 الصراع الخارجي : الصراع بين الإنسان والطبيعة هو بداية نشأة الصراع بوجهٍ عام، فالإنسان البدائي كان يتصارع مع الحيوان الذي يريد إصطياده ليقتات به، والحيوان يريد الهروب والنجاة بحياته، وإن كان هذا الصراع غير متكافئ، فإرادة الإنسان تختلف عن إرادة الحيوان، ولكن فكرة الصراع هذه تطورت فيما بعد وتشكلت منها أعمال أدبية عظيمة، كرواية موبي ديك لهرمان ملفيل، فالصراع هنا ليس مجرد صراع بين إنسان وحوت، حيث أن الحوت أصبح رمزاً مجسداً للشر وللقدرية التي يحاول القبطان أن يهزمها، ومع بداية رحلة الإنتقام يقوم الحوت الضخم بتحذير القبطان وطاقمه أكثر من مرة، ثم يستدرجهم في النهاية ويقتلهم جميعاً، فالحوت هنا رمز لقوة ذات إرادة واضحة تصطدم بها إرادة القبطان.

         وهكذا الصراع بين إنسان وإنسان آخر، كلٍ منهما يريد أن يكسر إرادة الآخر ويفرض إرادته هو على الأحداث، فالصراع الدرامي عبارة عن صراع إرادات الشخصيات، ليس صراع قوة بدنية أو صراع أفكار، ويجب أن تكون الشخصيات متكافئة، فلا يمكن أن يحدث صراع بين شخص يمتلك العديد من الإمكانيات التي تؤهله للانتصار وآخر معدم تماماً، فالنتيجة محسومة من قبل البدء.

       وأيضاً الصراع الدرامي ينتج من الاختلاف مع الإتفاق، من الجهل مع العلم، فهو الامتداد الطبيعي للمفارقة الدرامية، ولهذا إلق نظرة على مساهمة المفارقة الدرامية التي أشرت لها في بداية هذه المساهمة، ليتضح المعنى أكثر

محاضرة: عناصر المسرحية
تمهيد:
      اشرنا سابقا ان المسرحية شانها شان سا ئر الاجناس الادبية الاخرى .لايمكن ان تتكامل بنائيا الا بتكامل عناصرها ,وهو مايفترض ابتداءا لدى الاديب او الفنان .بمعنى اخر ان الوعي بتلك العناصر وتقنياتها يساعد على توصيل القيم الجمالية ضمن نطاق خطاب النص المسرحي ( discourse) بما يؤثر في المتلقي فيما بعد. وبما ان المسرحية تشتمل على الكثير من العناصر ,كما ان بعضا منها يشتمل بدوره على مكملات فرعية اخرى.لذا فمن الضروري دراسة اهمية هذه العناصر مجتمعة بالنسبة للبناء الدرامي مستندين على عناصر الدراما المختلفة الى مبدأ تجزئة مكوناتها وعملية التجزئة هذة انما يراد بها تيسير اجراءات البحث في العناصر وليس تكريس انفصال بعضها عن البعض الاخر ,وهذا اجراء متبع علميا منذ زمن (ارسطو).
1- الحبكة(plot) :
مصطلح غامض غير محدد,حتى ارسطو نفسه مثلا لم يضع مفهوما محدد لهذا المصطلح ,والبعض من النقاد اطلقوا عليه مجموعة تسميات فالبعض يقول انها قصة (story) والبعض الاخر يقول انها خرافة (myth) والبعض الاخر يسميها عقدة .
ويرى الباحث ضرورة التمييز بين هذة المصطلحات لانها تربك المعنيين بشؤون الدراما وتجعلهم يستخدمون المصطلح لاكثر من معنى ابتدائا ان الحبكة لاتعني القصة كما يذكرها البعض لان الحبكة تبنى على السبب والنتيجة في حين ان القصة سرد ووصف وحوار .ولاتتضمن القصة حبكة الاباحتوائها على السبب والنتيجة .فالحبكة هي تنظيم وترتيب الاحداث المنقولة عن القصة بشكل منطقي ومعقول . فالحبكة اذا تبنى على اساس السبب والنتيجة وهي( خط تطورالقصة ) (1) اي هي نظام ترتيب الاحداث المنقولة عن القصة واسلوب صياغتها بشكل درامي من مخيلة المؤلف الدرامي .او هي نظام بناء الاحداث على وفق علاقة سببية اما بالنسبة الى الخرافة فقد ميزها بعض الكتاب قائلين( يمكن تمييز الخرافة عن الحبكة وذلك بادراج الحبكة في النظام الذي يتابع فيه مجموع الاحداث (الحوافز المكونة للخرافة)داخل القصة فعليا .(2)اما ترجمتها بالعقدة فان من شان غموض المصطلح الاخير ان يثير الالتباس لهذا يرى بعض النقاد ان الحبكة ادق ترجمة من العقدة التي اشاعها بعض الكتاب لما توحي به هذه الكلمة من التعقيد(3) .وتقول بعض المصادر ان العقدة هي الجزء الذي يسبق الحل (Solution) .وقد يبدا بالمسرحية واحيانا يفترض وجوده قبلها .وتستمر العقدة حتى الجزء الاخير الذي فيه يصدر التحول من السعادة الى الشقاء او العكس.
تاسيسا على ذلك فان العقدة (crisis) هي جزء من الاطار العام للحبكة ,تبدأ مع بداية نقطة انطلاق الحدث وتنتهي عند الذروة (climax) ويؤكد الناقد الامريكي (وولتر كير) ان العقدة هي( الموقف الرئيس الذي ينشأ من مواجهة شخصيات المسرحية كل منهم الاخر او مواجهة كل منهم للظروف المحيطة به).(4)
تكلم (ارسطو) عن نوعين من الحبكة ,احدهما بسيطة واخرى معقدة وفضل الحبكة المعقدة على البسيطة لاحتوائها على عنصرين التعرف والتحول.وعند حديثنا عن البنية الارسطية .ان المبدأ التنظيمي السائد هو ترتيب الاحداث على وفق السبب والنتيجة .وباستعمال هذه الطريقة يضع الكاتب المسرحي في البدداية كل الشروط الضرورية التي تتطور منها كل الاحد-اث اللاحقة مثل دخول احدى الشخصيات في صراع مع رغبات شخصية اخرى كما نلاحظ في مسرحية (عدو الشعب) للكاتب النرويجي (ابسن) او مع رغبات ذاتية.والمحاولات التي تجري لرفع العقبات تصنع جوهر المسرحية ,وكل مشهد ينمو منطقيا من المشاهد التي تسبقه وليس هناك مسرحية بدون حبكة وفعل(action) ومع ذلك فان التفريق بين الحبكة والفعل امر اساسي يشبه التفريق بين الشكل والمضمون فالفعل هو الشكل والحبكة هي المضمون .
2- الشخصية (character): من الملاحظ تعددت الاراء بصدد الشخصية فمنهم من يرى ان الشخصية في المسرح كائن بشري يشار اليه في النص المسرحي بعلامات لغوية ويتقمصه ممثل ... على خشبة المسرح من خلال علامات غير لغوية او تلك القوى في المسرحية التي تنفذ الفعل المسرحي من خلال كينونتها الفردية وكلماتها واعمالها.(5) او هي ذلك المحرك الاساس للفعل المسرحي الذي يحدد الحبكة والحوار.او هي فكرة معقدة .اوهي ماتصنعه كل الافعال الدرامية التي يصدرها الفرد خلال مسار المسرحية .ذلك الانتقاء في قيم التنظيم الديناميكي للشخصية الانسانية الذي يستخدمه الفنان المسرحي لتقديم افكار مجردة اوصور ذهنية او اراء معينة متوخيا وضعها في قالب جمالي مليئ بالتشويق وميسور الفهم من قبل المتفرج .
وللشخصية ابعاد ثلاثة :
1- البعد الطبيعي
2- البعد الاجتماعي
3- البعد النفسي
4- اللغة (language): لقد عد ارسطو البعد اللغوي الذي اسماه البيان او الاسلوب (diction) العنصر الرابع للدراما ,ووصفه بالتعبير عن الافكار بواسطة اللغة وبانه طاقة تتواجد في كل من اللغة (الشعرية) الموزونة وفي النثر غير موزونة على حد سواء.(6) وحدد وظائف الاسلوب باكتساب القول الوضوح المعبر اولا وبتصعيده فوق مستوى الكلام الاعتيادي المالوف .واوضح ان الميل الى الاستخدام المفرط في للمفردات ذات المعاني المجازية يحول الكلام الى جعجعة لفظية مثلما تؤدي المبالغة في استخدام الكلمات النادرة الاستعمال الى صنع الكلام كما بين ان التصرف الوظيفي في اشكال المفردات باطالتها او تقصيرها او تحويرها يسهم في اكتساب الاسلوب وضوحا وبلاغة يتجاوز وضوح الكلام الاعتيادي المالوف. يعتمد الكاتب الدرامي الى تركيب ايقاع أي مشهد بحيث يبلغ ذروة داخلية مرسومة بعناية فان من شان هذه التقنية ان تنشط انتباه المتلقي عفويا الى المشاهد كلها. والحوار في كل مسرحية اكثر تجريدا وشكلية من الاحاديث اليومية الاعتيادية لان الكاتب الدرامي يعتمد دائما الى اصطفاء لغة ذات اسلوب تصعيدي مصاغ يتجاوز مايفعله أي انسان خلال احاديثه اليومية.
5- الفكرة (thought):هي عنصر له حضوره في كافة المسرحيات حتى المسرحيات التي تبدوا خالية من القصد لان الكاتب المسرحي لايستطيع ان يتجنب التعبير عن الافكار كما ان اسلوب ربطه للشخصيات والاحداث يعكس دائما وجهة نظره عن السلوك الانساني . ونستطيع ان نتصور الفكرة نوعا من النص الذهني الذي يلخص المعاني الاخلاقية ويشير الى المعاني الرمزية والاجمالية للمسرحية مثل (العين بالعين). ومهما كان المصطلح المستخدم للتعبير عن المغزى او الفكرة الاساس للمسرحية فانه ينبغي دائما ملاحظة ان استخدامه يمكن ان ينطوي على خطر تصور ان المسرحيه يمكن اختزالها ,لتقتصر على عبارة مقتضية اوجملة واحدة تمثل فكرتها المركزية.
 قائمة المصادر و المراجع:
1- فن الشعر – ارسطو –ص50
2- فن الكاتب المسرحي –روجر بسفيلد الابن-ص189
3- الحياة في الدراما- اريك بنتلي-ص13
4- تشريح الدراما –مارتن اسلن-ص39
5- افاق المسرح العالمي – ابراهيم حمادة –ص12
6- النقد الادبي الحديث – محمد غنيمي هلال-ص72

محاضرة عناصر العرض المسرحي

 

المسرح: هو شكل فنيّ، ومكان يجسِّد فيه الممثلون نصوصاً أدبية تعرض أمام الجمهور وتقدَّم مصحوبة بالأيماءات مع الموسيقا والصَّوت على خشبة المسرح.

تعتبـر عناصر تشـكیل المسـرح الواقعـة ضـمن التجربـة المكانیـة التـي عمـل بهـا المسرح المفتوح إلـــى المســـرح الخیـــالي ،والحاجـــة لإبـراز الواقـع فـي صـورة جمالیـة محیطـة فـي المكـان والفضـاء. والعلاقـة بـین المسـاحات الممیَّزة والمتعدّدة والمتغیّرة دائما فوق الخشبة المسرحیة، تستهدف تولیـد إشـارات مسـرحیة بلا حدود، ومعان.

عناصر العرض المسرحي

العرض المسرحي كالبناء العماري، لاتظهر صورتةُ النهائية إلا باستكمال عناصره والأدوات المكوِّنة له جميعها، وهي:

1.     الإخراج المسرحي: يعرف بأنّه تحويل النص المكتوب إلى عرض نابض بالحياة على خشبة المسرح، فتظهر جميع عناصره العرض المسرحي منظمة ومنسجمة بعضها البعض، ضمن رؤية فنيّة وفكرية واحدة، يديرها المخرج فهو القائد والموجِّه للعمل إذ يتخيَّل شكل العرض منذ البداية، ويقرر تفسير النَّص، وينسِّق جهود الفنَّانين.

2.     الممثلون: هم الذين يقوِّمون النصَّ للجماهير عن طريق تجسيد الشخصيات ولاندماج فيها، ويتطلَّب ذلك من خلال قراءة النص وتحليله لفهم الشخصيَّة التي يجسِّدونها ومعرفة الهدف من تجسيدها

3.     الديكورات المسرحية: هو فنّ التزيين الذي يعكس اللون والصور فيه، ويجعل العرض الدرامي غنياً بالفرجة الجمالية وهو يعكس المغزى من المسرحية والفكرة التي تقدمها ويحدد مكان المسرحية وزمانها، ويوحي الجو العام والمزاج وبوساطته يستطيع المشاهد فهم النص الأدبي.

4.     المكياج المسرحي: هو عنصر مكمِّل للعرض المسرحي إذ إنَّ ملامح الوجه تدلُّ على عمر الشخصية وصحتها وجنسيتها، وقد يعكس الوجه مهنة الشخص وسماتة العامة ليتفاعل معها الممثل ومشاهد في آن معاً، ومكياج يساعد الممثِّل على أداء الدور وتقمُّصه وإظهار موهبته.

5.     الملابس المسرحيَّة: تساعد الملابس على فهم المشاهدين خصائص المسرحيَّة، وتظهر الفترة الزمنية والمكان الذي حدثت فيه، وهي مرتيطة بالشخصية ومن أبرز العناصر التي تقدم لنا أفكار حولها ومن الصعب الاستغناء عنها أو تهميشها أو عدم توخِّي الحذر في اختيارها.

6.     الموسيقا والمؤثِّرات الصوتيَّة: تتَّسم في إعطاء الجو المناسب والمؤثر للحدث المسرحي وذلك بتقديم الموسيقى التي يحتاجها العمل المسرحي، مثل: أصوات الحيوانات وأصوات الطبيعة ( الرياح، المطر، العواصف) وإضافة إلى مصاحبة الموسيقا المناسبة لمشاعر الفرح والحزن والحبُّ والأمل.

7.     الإضاءة المسرحية: للإضاءة أثر في نجاح المشهد وإضفاء جاذبية خاصَّة على الصورة المسرحية التي يراها المتفرِّج. وهناك فرق بين الإنارة والإضاءة، فالإنارة تجعل من رؤية المتفرِّج للمشهد أمرًا ممكناً، أمَّا الإضاءة المسرحيَّة فهي لغة فنيّة تصاغ بشكل مدروس ومحدد لإضفاء دلالة أو حالة نفسية محدّدة ومقصودة بحدِّ ذاتها.

واجبات المخرج

  • دراسة الجو النفسي.
  • تحليل الشخصيات.
  • تحليل النصوص وتفسيرها.
  • الإشراف على التدريبات.
  • تحديد أدوار الممثلين.

وتقسم أدوات الممثل التعبيرية إلى نوعين:

  • أدوات خارجية: وتتمثّل في الجسم والصوت.
  • أدوات داخلية: تتمثَّل في الأحاسيس والمشاعر والانفعالات.

وظائف ديكورات العرض المسرحي

  • تحديد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للشخصيات.
  • تحديد مكان الحدث المسرحي وزمانه.
  • الإيحاء بالجو العام للمسرحية.
  • إضافة البهجة والحيوية والجمال للعرض المسرحي.
  • مساعدة المتفرِّج في تصوُّر البيئة الماديَّة التي ينبع منها الحدث الدرامي، لتنشيط ذهنه وإشراكة في الفاعلية المسرحية.

يبدأ مصمِّم الديكور عمله بدراسة كاملة محللاً متطلباتها المتعلّقة بالمناظر مراعياً ما يحتاجه البناء المسرحي المطلوب من أجزاء الديكور من حيث: العدد والحجم والنوع.

وللألوان والمساحيق والظلال والأصباغ أثرها في التعبير عن الشخصيات المختلفة، مثل: المهرج أو الشخصيات التاريخية.

وظائف الإضاءة

  • التأكّد والتركيز.
  • الرويَّة.
  • اللإيهام الطبيعي.
  • خلق الجو الدرامي.
  • التكوين الفني.

أشكال المسرح

1_ المسرح المفتوح: المسرح الذي لايفصل فيه بين الممثلين والجمهور، مثل المسارح التي يقدّم عليها عروض الإزياء أو بعض الأعمال الدرامية الأخرى.

2_ المسرح المرن: فيه تكون خشبة المسرح أكبر من صالة المشاهدين، لذا فهذه المسارح لا تستوعب إلاعدداً قليلاً من المشاهدين، ويسطيع المتفرِّج مشاهدة العمل المسرحي واقفاً أو جالساً. أمّا مرونتةُ فمستمدَّة من القدرة على تغيّر أماكن العرض والجمهور بما يتناسب مع كل مسرحية.

3_ المسرح الدائري: هي المسارح التي يوزَّع فيها المقاعد على جوانب المسرح الأربعة وليس في الأمام فقط وخشبة المسرح تكون منخفضةً قليلاً ليتمكن المشاهد من الإحاطة بالعمل المسرحي من جهاته الأربع.

4_ مسرح العلبة الايطالي (المغلق): هو أكثر أنواع المسارح شيوعاً وفيه تكون مقاعد المشاهدين أمام خشبة المسرح وقد صمِّمت هذه الخشبة ليرى المشاهد مختاف أحداث العرض المسرحي من الأمام فقط في إطار الديكور والشخصيات التي تتحرَّك أمامه في الحيِّز


محاضرة: الأسطورة و المسرح

على مَرِّ التاريخ أفادَ المسرح من الأسطورة، حيث وظَّفها رمزيًّا أو إشاريًّا، أو بما يشكِّل منها حالات ‏رؤيويّة تفاوتت بين الاستخدام الإبداعي والاستخدام الوظيفي النَّصي بحسب كيفيّة التعامل مع الرَّمز ‏الأسطوري، وكان ممّا هيَّأ الإمكانات لتوظيف الأسطورة في المسرح هو مرونتها التي تسمح ‏بتطويعها لكثير من غايات الفنّ والأدب.‏

           ارْتَبَطَت ولادة الأسطورة بولادة العقليّة الإنسانيّة وطفولتها؛ حيث تحقَّقت من خلالها أولى مراحل ‏التفكير الفلسفي، فشكَّلت وسيلة للتأمُّل وفهم الطبيعة وظواهرها وكشف أسرارها في الوقت الذي لم ‏يكن فيه الإنسان قادرًا على تحليل الظواهر الكونيّة، والوصول إلى نتائج منطقيّة في تفسيرها، ممّا ‏جعله يصفها في شكل رموز تعبِّر عن خوفه وقلقه الوجوديّ.‏

        ولم تتوقَّف عند ذلك، بل أخذت الأسطورة حيِّزًا زمانيًّا ومكانيًّا مهمًّا في تاريخ الحضارات الإنسانية ‏والفكر البشري منذ تشكُّلاته الأولى، لتشكِّل بذلك نتاجًا معرفيًّا جماعيًّا جسَّد وضعًا معرفيًّا ‏أنثروبولوجيًّا، ومرجعًا ثقافيًّا متميِّزًا تنهل منه الكثير من الدراسات الاجتماعية والفكرية والتاريخية ‏والفولكلورية، بل تعدّاها إلى أنواع الفنون كافّة، ومعظم الأجناس الأدبيّة.‏

        وإذا كانت الأسطورة قد اتَّخذت من تصوير الأحداث السياسية والاجتماعية وظيفة رئيسة، فإنه لا ‏يمكن تجاوز الوظيفة التعليمية للأسطورة، فمنذ فجر التاريخ تمَّ استخدام الأسطورة من قبل الفلاسفة ‏والحكماء بوصفها وسيلة لتعليم المعرفة للآخرين، وفي إثارة المشاعر الوطنيّة بتذكير الناس بتاريخهم ‏كي يتَّخذوا العِبَر من هذا التاريخ، وبذلك "فقد قامت الأسطورة بإضفاء الحيويّة والديناميكيّة في ‏استحضارها لسيرة الأسلاف، وترسُّخ التفكير الميثولوجي في الوعي الاجتماعي للشعوب -وإنْ كان ‏بدرجات متفاوتة- وتوارثته الأجيال حيث أصبح الماضي مشاركًا في الحاضر، وأصبح الأسلاف ‏الموتى -حتى مَن لم يدفعوا منهم حركة التاريخ في الماضي- هم الذين يتحكّمون ويسيطرون ويديرون ‏دفَّة الزمن الحاضر كنماذج يتوجَّب احتذاؤها"(1). ‏

       ومنذ الولادة الأولى للمسرح الإغريقي، سعى روّاده إلى توظيف الميثولوجيا في عملية الخلق ‏الدرامي، فقد اعتمد روّاد التراجيديا الإغريقية (أسخيلوس، سوفوكـلس، ويوربيدس) على ملاحم ‏الشاعـر الإغريقي (هوميروس) في بنائهـم لنصوصهم المسرحيّة؛ ممّا هيَّأ لهم عرض قضايا المجتمع ‏الإغريقي بوعي ونجاح، ويعـود ذلـك للأحداث التي حفلت بها الأسطورة، والتي عبَّرت عن قيم ‏فلسفية وفكرية عميقة، "ولم يكن توظيف الأسطورة في المسرح الإغريقي توظيفًا للأسطورة برمَّتها، ‏وإنَّما كان توظيفًا لجزء معيَّن منها. أي أنَّ المسرحية تُقام على حدث معيَّن من أحداث الأسطورة، أو ‏على موقفٍ من مواقفها. ولعلَّ هذا راجع إلى تأثر التراجيديا بالملحمة، حيث أنَّ الملحمة نفسها لا ‏تتعرَّض لأساطير بأكملها"(2)، وبذلك فقد كان للتوظيف الميثولوجي في المسرح أثره في معالجة ‏العديد من الموضوعات الأسطورية المقاربة في بنائها للبناء المسرحي، إذ اعتمد روّاد المسرح في ‏عملهم المسرحي على المعطيات الأسطورية، لاسيما تلك الأحداث والحقائق التي يمكن تفسيرها دينيًّا ‏ودنيويًّا، وذلك ببنائهم لشكل مسرحي يقوم على رؤية حضارية تتناسب مع الواقع.‏

‏      وكان ممّا هيَّأ للأسطورة إمكانات الخلق الدرامي هو جوانبها الوظيفيّة الغنيّة، فهي تتمتَّع بمستويات ‏مختلفة من الوعي ودرجات من الوضوح تؤهِّلها في عملية تفسير المعتقدات والقيم الاجتماعية، فكل ‏المجتمعات الإنسانية يتأسّس فكرها الإنساني على الأساطير، التي يمكن من خلال تحليلها تكوين ‏وجهة نظر موضوعيّة عن مجتمع معيّن. ‏

‏        وذهب "أرنست كاسيرر" إلى أنَّ الأسطورة تشكِّل تعبيرًا عن قوّة حياة الروح الإنسانية في مرحلة ‏معيّنة من تطوُّرها، وتُعدُّ من أبرز المؤثرات في الحضارة الإنسانية لعلاقتها الوثيقة بالأفعال ‏الإنسانية، فلا يمكن فصل الشعر والفن والتاريخ عنها، إنها تجسيد للتعبير عن المشاعر الإنسانية، ‏ومن ثم فإنها لغة رمزية من المشاعر، تعبِّر عن وحدة وتواصل التجربة من خلال حقيقة ذاتية نفسية ‏تشكل نمطًا من الاعتقاد، والذي قد تكون له وظيفة اجتماعية عامة تتعلق بتكوين توازن داخلي ‏وبإقامة علاقة بين الذات والنظام الاجتماعي من خلال الأسطورة، كما هي الحال في النظرية ‏الوظيفية(3)، وهو يرفض التجريدات العلمية بوصفها انعكاسًا للواقع، ويتعامل مع العالم المادي على ‏أنه مقولات تنتمي للفكر مستبدلًا قوانينه باستقلال وظيفي ذي تفسيرٍ مثالي.‏

‏        لكن "رولان بارت" أكَّد أنَّ الأسطورة يمكن أنْ تعبِّر عن الأشياء ولا تنكرها، "إنها ببساطة تعمل ‏على تطهيرها من الشوائب وجعلها نقيّة وتثبِّتها في الطبيعة والأبدية وتضفي عليها وضوحًا، وليس ‏المقصود بذلك وضوح التفسير، بل وضوح التعبير. وبالتحوُّل من التاريخ إلى الطبيعة توفر ‏الأسطورة جهدًا: فهي تلغي تعقيد الفعل البشري وتسبغ عليه بساطة أوليّة، فهي تتصدّى لكل جدل أو ‏أي شيء من شأنه أن يبتعد بنا وراء ما هو منظور بشكل مباشر. إنها تنظِّم عالمًا دون تعقيدات نظرًا ‏لأنَّ العالم من دون عمق سوف يتكشّف على حقيقته"(4). ‏

       لكن قد نجد شمولًا في تعداد وظائف الأسطورة وعلم الأساطير، وذلك من خلال التصنيف الذي ورد ‏في الموسوعة البريطانية، حيث تمَّ تقسيم وظائف الأسطورة إلى:‏

‏1- وظيفة الأسطورة التفسيرية والقصصية، فالأسطورة تتولّى مهمّة شرح الحقائق الطبيعية ‏والاجتماعية والثقافية والحياتية، وهذا لا يعني اقترانها بالقصص السببيّة (التعليليّة).‏

‏2- وظيفة الأسطورة في التبرير والإثبات، فهي تجيب عن الأسئلة المتعلقة بطبيعة وأصل الطقوس ‏الدينية والتعبُّدية.‏

‏3- وظيفة الأسطورة في الوصف، والتي ترتبط بالتمثيل الجازم للحقائق، فبإمكان الأساطير أن ‏تصف أصل العالم ونهايته، وأن تصف ما لا يمكن للأشخاص من مشاهدته في أنفسهم.‏

‏4ـ وظيفة الأسطورة في خلق الكون ونظامه.‏

‏5ـ الوظيفة السحرية والفنية الشعرية للأسطورة(5).‏

‏        لقد أدّى الاختلاف في تحديد ماهية الأسطورة وبواعثها ومكوناتها إلى إخضاعها لمناهج فكرية ‏عديدة تعاملت معها وفسرتها، وقد خضعت هذه المناهج بدورها لنزعات الرؤية الفردية ذات ‏الاتجاهات المتباينة، "وإذا كان علماء الأسطورة قد اختلفوا في تفسيرهم لها من اعتبارها ذاكرة ‏الإنسان (ليسز)، أو علمًا بدائيًا يهدف إلى تفسير الحياة والكون (فريزر)، أو هيكلًا لحدث تاريخي ‏‏(مالينوفسكي)، أو اختزالًا للخبرة البشرية الفكرية (نيتشه)، أو تعبيرًا عن اللاشعور الجمعي (يونغ)، ‏أو لغة الرمز التي تشكل نظامًا فكريًا استوعب قلق الإنسان الوجودي واختزل حياته الروحية ‏والفكرية (فروم)، وتعبيرًا عن حالات الكبت يشبه الحلم (فرويد)، فإنَّ كل تلك التفسيرات تجعلها ‏حقلًا نموذجيًّا للاستلهام المسرحي"(6).‏

      وعلى مرِّ التاريخ أفاد المسرح من الأسطورة، حيث وظَّفها رمزيًّا أو إشاريًّا، أو بما يشكل منها ‏حالات رؤيوية تفاوتت بين الاستخدام الإبداعي والاستخدام الوظيفي النصي بحسب كيفيّة التعامل مع ‏الرمز الأسطوري، وكان ممّا هيَّأ الإمكانات لتوظيف الأسطورة في المسرح هو مرونتها التي تسمح ‏بتطويعها لكثير من غايات الفن والأدب، وقد أخذ مفهوم الأسطورة عند بعض المسرحيين مزيدًا من ‏الابتكار، حيث تجاوزت في أحيان كثيرة الجوانب الرمزية والدلالية لتأخذ دلالات أخرى جديدة بعيدًا ‏عن دلالاتها المعرفية السائدة. وإذا كانت الأسطورة قد شكّلت المرجع الرئيس للمسرح عند الإغريق ‏القدماء حينما استقى شعراء التراجيديا (أسخيلوس، سوفوكلس، ويوربيدس) موضوعاتهم من ملاحم ‏الشاعر اليوناني هوميروس، فإنَّ الاهتمام بها قد عاد في عصر النهضة، ثم في العصور اللاحقة، ‏حيث ظهر توظيفها في المسرح الغربي عند عدد من المؤلفين منهم: "أندريه جيد"، "جان جيرودو"، ‏‏"جان بول سارتر"، وغيرهم.‏

        وتمَّ توظيف الأسطورة في المسرح العربي المعاصر منذ النصف الأول من القرن العشرين، حيث تم ‏استلهام أساطير إغريقية وفرعونية وسومرية وبابلية وعربية وغربية، وظهر ذلك من خلال كتابات ‏عدد من المسرحيين منهم: عزيز أباظة، علي أحمد باكثير، توفيق الحكيم، محمود تيمور، غسان ‏كنفاني، معين بسيسو، علي سالم، ولد عبدالرحمن كاكي، محمد الكغاط، لطفية الدليمي، معد ‏الجبوري، خزعل الماجدي، سلطان القاسمي، علي الشرقاوي، حمد الرميحي، وغيرهم..‏

‏      ووظَّف توفيق الحكيم الأساطير في عدد من نصوصه المسرحية مثل: "أهل الكهف"، "بيجماليون"، ‏‏"أوديب الملك"، "إيزيس"، و"سليمان الحكيم"، ليعالج من خلالها قضايا شائكة ارتبطت بالواقع ‏العربي، معبِّرًا بذلك عن رؤية حضارية جديدة مهمّتها إدانة نظام سياسي أو اجتماعي معيَّن.‏

     واهتمَّ الحكيم بدراسة المسرح الإغريقي ومرجعيّاته الأسطورية، وقدَّم جزءًا منه للجمهور العربي ‏ضمن قيم فكرية استندت للعقيدة الإسلامية، فجاءت مسرحية (بجماليون) عــام 1942م؛ وهي ‏مسرحية ذهنيــة ارتكز الحكيم عـند كتابتها على أسطورة يونانية قديمة؛ حيث طرح فيها مبدأه ‏التعادليّ للوقوف عند مجموعة من القضايا ومناقشة مضمونها الاجتماعي والذهني والفني، أمّا ‏مسرحية (الملك أوديب) عام 1949م، فقد جرَّدها الحكيم من بعض المعتقدات الخرافية التي لا ‏تتوافق مع العقلية العربية الإسلامية. ولم يتوقف توظيف أسطورة أوديب عند (الحكيم) وإنما استلهمها ‏عدد من الكتاب العرب مثل: علي أحمد باكثير في مسرحية (مأساة أوديب)، وفوزي فهمي في ‏مسرحية (عودة الغائب)، وعلي سالم في مسرحية (انت اللي قتلت الوحش- كوميديا أوديب)، وفؤاد ‏التكرلي في مسرحية (أوديب الملك السعيد)، ووليد اخلاصي في مسرحية (أوديب مأساة عصرية)، ‏وغيرهم...‏

 

الأديب المصري توفيق الحكيم

‏  

وفي العراق ظهر توظيف الأسطورة الرافدينية عند الشاعر خزعل الماجدي كما في مسرحيات: ‏‏"موزائيك"، "ليليث"، "سيدرا"، "بيرام وتسيبا"، "تموز في الأعالي"، و"نزول عشتار إلى ملجأ ‏العامرية"، وقد اعتمد الماجدي صيغتين في كتابة نصوصه، إحداهما صيغة إبداعية تتمثّل بإعادة ‏إنتاج الأساطير، أو تأويلها دراميًّا وفق رؤية معاصرة أحدثت تغييرًا في أحداثها، أو شخصياتها، أو ‏نواتها الأساسية، أو منظوراتها، لتتناغم ومشاغل عصرنا الحالي، وقضاياه الاجتماعية والسياسية ‏والاقتصادية والثقافية، انطلاقًا من منظومة الأفكار والتصوُّرات التي يحملها.‏ والثانية صيغة ‏افتراضية انتزع فيها الشخصيات الأسطورية من محاضنها وزرعها في الحاضر، وافترض لها ‏وجودًا ومواقف وأفكارًا متخيّلة، ووضعها في فضاءات معاصرة، وزجّها في صراعات مع ‏شخصيات معاصرة، وفي كلا الصيغتين نسف الماجدي البنية النصيّة للأساطير، بعد امتصاصها، ‏ليؤسّس نصوصه الدرامية، وإظهار رموز لها وظائف جديدة تنسجم مع أفكاره ورؤاه(7).‏

ومن الأساطير الخالدة في التراث الإنساني، والتي تم توظيفها في المسرح العربي، تبرز أسطورة ‏شمشون بأبعادها الدينية، والتي أخذت اهتمامًا خاصًا في الأدب المعاصر على اختلاف أجناسه، ‏وجاء توظيفها في النص المسرحي العربي للوقوف على طبيعة الصراع بين الفلسطينيين ‏والإسرائيليين، وتم توظيفها في مسرحية (شمشون ودليلة) عام ‏1979م للأديب والشاعر الفلسطيني ‏‏(معين بسيسو)، وجاء استخدامه للأسطورة استخدامًا سياسيًا واجتماعيًا لمناقشة قضية معاصرة ‏ترتبط باحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين وللأراضي العربية الأخرى، ثم أنّ المؤلف قد وظّف في ‏مسرحيته عددًا من القصص من التراثين الإسلامي والمسيحي مثل:‏‎ ‎قصة سيدنا يونس عليه السلام ‏الواردة في القرآن الكريم، وقصة العذراء مريم بوصفها رمزًا معبِّرًا عن كثير من القيم الفكرية على ‏الصعيد الإنساني، إضافة إلى توظيفه للتراث الشعبي كسيرة عنترة بن شداد، وللتراث التاريخي ‏كقصة طارق بن زياد حينما أحرق السفن لإجبار جنوده على قتال الأعداء بكل شجاعة، إضافة إلى ‏ذكر مأساة الحسين في كربلاء، ونضال بعض الشعوب المقهورة مثل الشعب الفيتنامي(8)‏.

 

 

الأديب والشاعر الفلسطيني معين بسيسو

‏ ‏

تقاسمت الأحداث في المسرحية عدد من الشخصيات الرئيسة مثل: شخصية شمشون، دليلة، الأب، ‏مازن، عاصم، ريم، وعدد من الشخصيات الثانوية منها:‏ الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، ‏الرجل ذو الأربطة البيضاء، الكمساري، المرأة، السائق، الراكب، الرجل البانيو، الرجل ذو المعطف، ‏الجوقة، راحيل، الحارس، وجاءت المسرحية على جزئين، وإذا كان الجزء الأول منها قد اقتصر ‏على عرض الراهن الفلسطيني ضمن سياق رمزي، فإنَّ ظهور شخصية "شمشون" قد جاء في ‏اللوحة الثانية من الجزء الثاني، وهو ظهور متأخر نوعًا ما؛ حيث أراد المؤلف من خلاله أن يحيلنا ‏إلى أنَّ الراهن لا ينفصل في حقيقته عن الماضي، وأنَّ الإرهاب الصهيوني هو صورة عن إرهاب ‏شمشون.

 

شمشون يقتل أسدًا بيديه العاريتين- لوحة للفنان بيتر باول روبنس

‏ ‏

‏ وجاء توظيف أسطورة شمشون في مسرحية (شمشون الجبار) عام 2008م للشيخ سلطان بن محمد ‏القاسمي حاكم الشارقة، حيث اقتبس مادة مسرحيته من نصوص الإنجيل، وإذا كان قد استلهم أحداث ‏مسرحيته من مصدر ديني، فإنه قد كان أمينًا ودقيقًا في تناول معطيات هذا النص، إذ استثمرها ‏بوعي فني وإتقان عبّر عن إمكانات فنية فائقة في الكتابة المسرحية.‏

 

الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

 

‏ لجأ (القاسمي) في جميع نصوصه المسرحية التي كتبها إلى استلهام شخصيات قديمة وأحداث ‏تاريخية وأسطورية معروفة لدى الذاكرة الثقافية العربية، منطلقًا من معرفة عميقة بقدرة هذه التقنية ‏الدرامية على الوصول إلى المتلقي بعيدًا عن متاهات التعقيد ودروب التفسيرات الوعرة، وقد جاءت ‏المسرحية في ثلاثة فصول، وشخصياتها هي: شمشون، دليلة، حشود من اليهود، حشود ومجاميع من ‏الفلسطينيين وحكامهم ومرافقيهم، القاضي صموئيل، الملك شاؤول وأبناؤه الثلاثة، جنود إسرائيليون، ‏جنود فلسطينيون، محاربون فلسطينيون، وغيرهم.‏

إنَّ رؤية القاسمي لجوهر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد عبَّرت عن موقفه من الواقع الذي ‏تفرضه طبيعة الأحداث السياسية والاجتماعية المرتبطة بالإنسان الفلسطيني، وهو بذلك يقدِّم رؤية ‏شمولية واعية بجوهر القضية، وظروفها الموضوعية ضمن حركة التاريخ والصراعات الناشئة بين ‏القوى المختلفة، فمسرحية (شمشون الجبار) ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالظروف التاريخية التي كُتبت فيها، ‏والتي تحدِّد مجموعة المظاهر المعكوسة ومبدأ انتقاء المؤلف لهذه المظاهر وتقييمها ووجهة نظره ‏فيها، أي أنها تحدِّد نظرة المؤلف والنَّهج الذي انتهجه وطبيعة الفن الذي اختاره، ومن هنا تتأسس ‏ضرورة الفهم التاريخي الصحيح لكافة جوانب الشكل والمضمون في المسرحية، وإدراك الأسس ‏الفكرية والتكوينية لها، ودراسة الشخصيات الأدبية التي تتقاسم الأحداث فيها(9). وبذلك فإنَّ القاسمي ‏قد وظَّف الأسطورة التي تلتصق أحداثها بوجدان الجماهير العربية، وقدَّمها لنا ضمن منهج نقدي ‏ملتزم يقوم على الجدل، الذي يؤسِّس لوعي الجماعة ومدركاتها للأحداث اليومية والمستقبلية.‏

 

 قائمة المصادر و المراجع:

‏1ـ أبو السعود، عطيات، الوعي التاريخي بين الماضي والمستقبل، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون ‏والآداب، مجلة عالم الفكر، المجلد29، العدد4، نيسان- أيار/ إبريل- مايو 2001، ص92.‏

‏2ـ لوليدي، يونس، الأسطورة الإغريقية والمسرح، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مجلة ‏عالم الفكر، المجلد29، العدد4، نيسان- أيار/ إبريل- مايو 2001، ص261. ‏

‏3ـ انظر: كاسيرر، أرنست، الدولة والأسطورة، ترجمة أحمد حمدي محمود، القاهرة: الهيئة المصرية العامة ‏للكتاب، 1975، ص41. ‏

‏4ـ رايتر، وليم، الأسطورة والأدب، ترجمة صبار سعدون، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1992، ‏ص(25-26).‏

‏5ـ انظر: الموسوعة البريطانية، الأسطورة وعلم الأساطير، ترجمة عبدالناصر محمد نوري، بغداد: دار ‏الشؤون الثقافية العامة، 1986، (ص23-30).‏

‏6ـ عطية، حياة، المؤثر الأسطوري في المسرح، في: المسرح الأردني واقع وتطلعات، عمان: وزارة الثقافة، ‏ملتقى عمان الثقافي الرابع، 1999، ص100.‏

‏7ـ عواد، علي، أساطيرنا والمسرح، صحيفة العرب، بتاريخ 15/ 4/ 2018.‏

‏ 8ـ انظر: يحيى عيسى البشتاوي، توظيف أسطورة شمشون في النص المسرحي العربي، الشارقة: مجلة ‏شؤون اجتماعية، العدد127، 2015، ص192.‏

‏9 ـ المصدر نفسه، ص208.‏


تدريس مادة بيداغوجيا التعليم يهدف إلى تزويد الطلاب  بالمفاهيم والمهارات الأساسية التي تساعدهم على فهم العملية التعليمية وتحسينها. تعتبر بيداغوجيا التعليم علم يدرس كيفية تنظيم وتصميم العملية التعليمية وتحديد أفضل الطرق لتوصيل المعلومات والمفاهيم إلى الطلاب بطريقة فعالة وفاعلة.

وتشمل مادة بيداغوجيا التعليم مفاهيم متعددة منها تحليل الأهداف التعليمية، وتصميم المناهج والبرامج التعليمية، والتقييم التعليمي، وطرق التدريس الفعالة، واستخدام التكنولوجيا في التعليم، وغيرها من المواضيع الأساسية التي تساعد على تحسين جودة التعليم وتعزيز فاعلية عملية التعلم.

وباختصار، يهدف تدريس مادة بيداغوجيا التعليم إلى تمكين الطلاب  من فهم وتطبيق أفضل الممارسات والطرق في عملية التعلم والتدريس لتحقيق نتائج أفضل وأكثر فاعلية.