الدرس الثالث : اللسانيات الحاسوبية في ضوء خصوصية اللغة العربية والبرمجيات الحاسوبية

   تعاني العربية اليوم مشكلة وجودية بسبب تأخر أصحابها عن مواكبة التطور الرقمي والتقني
فقد نشر موقع الجزيرة نقلا عن الاتحاد العالمي للاتصالات أن نسبة المحتوى الرقمي باللغة العربية لا يتجاوز 3% على الشابكة وهي نسبة متدنية كما هو ظاهر وينبئك هذا عن التدني الموجود في المجالات التقنية الأخرى كالبرمجة بالعربية أو استخدام العربية كلغة لصياغة البريد الإلكتروني أو أسماء المواقع أو الأوامر البرمجية في البرامج المختلفة.

   فإذا كان هذا واقع المحتوى العربي فما بالكم بحوسبة اللغة العربية؟ إنه بالتأكيد أدنى من ذلك لأن الحوسبة مرحلة تالية للوجود الرقمي وهذا الوجود هو ما يدفع لعملية الحوسبة فكلما ازداد الوجود الرقمي للغة معينة ازدادت الحاجة لحوسبتها.

وحوسبة اللغة تعني جعل الحاسوب قادرا على معالجة اللغة إفرادا وتركيبا وممارسة التدقيق الإملائي والنحوي عليها واللغة العربية من هذه الناحية متأخرة جدا فأنت عندما تفعل التدقيق النحوي والإملائي في برنامج تحرير النصوص "وورد" مثلا فإنه لا يطبق أيا من القواعد المعروفة في الإملاء والنحو إنما يعرض الكلمة على القاموس الذي زود به وخزن في الملفات الخاصة بالبرنامج لذلك لا يفرق بين كلمة "المسلمين" و "المسلمون" لأن كلا الكلمتين موجودة في القاموس وتجده يخطئك عندما تكتب "سألتكما" لأنّ قاموسه فيه الفعل سأل وبعض مشتقاته وحالات اتصاله ببعض الضمائر لذلك لا ينتفع بهذه الخدمة كتّاب العربية على النحو الذي ينتفع به كتّاب غيرها من اللغات.[1]

   وإن من أهم الواجبات على خدام اللغة العربية والمختصين بها في هذا الوقت العمل على تجاوز العقبات والصعوبات التي تعيق حوسبة اللغة العربية وذلك بوضع حد للفكر المتصلب الجاهلي وابتكار الأساليب المساعدة في الحوسبة والملائمة لخصائص العربية.

                                      

خصائص اللغة العربية : :
-  الكتابة العربية:  من اليمين لليسار وشكل الحرف ، فتعد الكتابة العربية من ضمن أهم المشكلات التي واجهت التحليل الحاسوبي، حيث تتعدد الأشكال البصرية للحرف الواحد تبعاً لموقعه من الكلمة، كما أن اتجاه الكتابة العربية هو من اليمين إلى اليسار، يضاف إلى ذلك أن حروفها متصلة وليست منفصلة.. تتميز اللغة العربية بالعديد من الخصائص التي تشرفها على غيرها من اللغات ونذكر هنا ما له علاقة بعملية الحوسبة فمنها:

أنها لغة معربة، واشتقاقية، غنية بالمفردات، وفيها أكثر من نوع من الجمل، ويمكن التقديم والتأخير لأركان الجملة، والتعبير عن المعنى الواحد بصياغات عديدة، ويكثر في أساليبها الاستعارات والإنزياحات اللغوية، ويتميز الخط العربي بالإيجاز في استخدام الحروف فمن ذلك الاكتفاء بحرف واحد عندما يتكرر نفسه متتاليا مثل: "داود" و "يحي" وتحذف ياء المتكلم في كثير من المواضع مثل: "يا رب" و "يا قوم" وكون الحرف له عدة أشكال تختلف في حال الاتصال والانفصال، وأهم من ذلك التعبير عن الصوائت القصيرة بأشكال صغيرة توضع على الحروف ليس كباقي اللغات التي تعبر عنها بمحارف خاصة..[2]

وتبعاً لهذا قامت عدة محاولات لتلافي مشاكل الكتابة العربية في الحاسوب، وكان من بينها مشروع الأستاذ أحمد الأخضر غزال، الذي أطلق عليه الطريقة المعيارية للطباعة العربية، أو العربية المعيارية المشكولة – الشفرة العربية، والتي تعرف اختصاراً بـ(العمم-شع)، كما سبق، وقد تم هذا عام 1954م، ثم طُورت لتتلاءم مع التقدم التقني في الحاسوبات عام 1974م  . ويذكر مازن الوعر أنه مع تطور الإلكترونيات أصبح هذا التصميم غير واقعي، مما جعل بعض الباحثين يضع تصميماً آخر عرف بـ(معالجة السياق)، أي استنباط الحرف من سياق الحروف، وليس من سياق المعنى.وهناك أيضاً الشفرة العربية الموحدة للكتابة العربية التي تعرف بـ(الشفرة سباعية العزوم) التي أقرتها سنة 1983م المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس. وفي الحقيقة أنني لا أعلم الآن ماذا تم بشأن تطوير هذه الشفرة خاصة أنه مضى عليها زمن طويل .ومن تلك المحاولات ما قدمه الدكتور عاصم عبد الفتاح نبوي، والدكتور صبري عبد الله محمود، من تطوير نظام للتعرف على حروف العربية باستخدام شبكة عصبية ذات انتشار رجوعي.

خصائص الحاسوب
السعة الكبيرة: وقد مرت بمراحل عديدة حتى صار بالإمكان تخزين الكم الهائل من المعلومات والبيانات والملفات باختلاف أنواعها على شريحة صغيرة لا يتجاوز حجمها ظفر الإصبع.

 المعالجة السريعة: قد تكون هذه الميزة أهم خصائص الحاسوب وهي التي كان لها الدور الأكبر في التفجر المعرفي ولطالما تفاخر الناس على أقرانهم بتطور هذه الميزة في حواسيبهم الشخصية.

الخوارزميات: يعتمد الحاسوب في أداء وظائفه على خوارزميات ومعادلات تنظم خطوات تعامله مع الأوامر والبيانات والملفات وتكون هذه الخوارزميات قد أعدت مسبقاً ووضعت في نظام الحاسب كما يوجد لكل برنامج خوارزميات خاصة به تتناسب مع المهمة التي أعد لها لذلك يمكن وصف نظام الحاسوب بأنه نظام رياضي.[3]



[1] ينظر.طارق عبد الحكيم أمهان ، اللسانيات الحاسوبية ومشكلة حوسبة اللغة العربية ،        https://bilarabiya.net/5196.html

 [2] ينظر.طارق عبد الحكيم أمهان ، اللسانيات الحاسوبية خطوة نحو الحل ،شبكة الأوكة ،ص09

[3] المرجع نفسه ،ص05