الدرس الرابع عشر : أثر اللسانيات الحاسوبية على اللغة العربية حديثا


بذلت جهود كبيرة في اللسانيات الحاسوبية العربية  أهمها  إنشاء قسم خاص لعلم اللغة الحاسوبي (اللسانيات الحاسوبية) في جامعة الأمير سلطان الأهلية بالرياض (السعودية)، وهو – على حد علمي – أول قسم متخصص في هذا المجال بالجامعات العربية، ولا شك أن إنشاءه جاء نتيجة لمتطلبات السوق الاقتصادية من جهة، وتتويجاً – من جهة أخرى – للجهود الحاسوبية العربية التي أصبحت تشكل اتجاهاً عاماً في الدراسات اللغوية المعاصرة .

وبعد، فلقد تبين لنا بهذا العرض الموثق بما لا يدع مجالاً للريبة والشك أن اللغة العربية هي المستفيد الأول من استخدام تقنية الحاسوب، وأن الحاسوب يمكن تطويع آلياته وأنظمته لتتواءم مع خصوصية اللغة العربية، على جميع مستوياتها اللغوية، الصوتي منها، والصرفي، والنحوي، والمعجمي، والدلالي. وتم بجهود الباحثين العرب، اللغويين منهم والحاسوبيين، تمثيل الكلام المنطوق وتوليده آلياً، وتحليل الكلمات المفردة وتركيبها آلياً، وتوصيف الجمل وتوليدها وإعرابها آلياً، وقراءة النصوص المكتوبة وتصحيحها ومعالجتها آلياً، وصناعة المعاجم الآلية، وإنشاء البنوك المصطلحية، وتصويب الأخطاء النحوية والصرفية والإملائية آلياً، وتصميم البرامج الحاسوبية للترجمة الآلية، وتعليم اللغة العربية لأبنائها وغير أبنائها بوساطة الحاسوب .

إن هذه الجهود مؤشر حقيقي على نجاح الحاسوب في خدمة اللغة العربية، وتوظيفه في معالجة قضاياها المختلفة، تحليلاً، وتوليداً، وترجمة، وتعليماً، وصياغتها صياغة رياضية دقيقة وفق علاقة متبادلة بين المقاييس العلمية والمقاييس اللغوية .

والمحصلة النهائية لهذه الجهود تصب في خانة قدرة العربية على استيعاب لغة العصر، وتمثل تقنياته التكنولوجية بكل كفاية واقتدار، وهذه قضية من القضايا التي واجهتها - وما زالت تواجهها - كينونة الأمة العربية وحضارتها اللغوية، وهويتها الثقافية .

المقترحات:   هذه مقترحات قدمها  طارق عبد الحكيم أمهان في بحثه  اللسانيات الحاسوبية خطوة نحو الحل لعلها تسهم في توطين هذا التوجه في الدراسات اللغوية المعاصرة، وتدفع به نحو الأمثل والأفضل، وهي على النحو الآتي :[1]

-         تضافر الأعمال في مجال اللسانيات الحاسوبية العربية وتتآزر بين اللغويين والحاسوبيين في أي مشروع علمي يهدف إلى برمجة الأنظمة اللغوية للعربية، وتحليلها، ومعالجتها آلياً. وأرى في هذا المقام أن أي عمل منفرد، أو مستقل عن الطرف الآخر من المعادلة، أو غير منسق بين هذه الفئات العلمية، إنما هو بمثابة جهد ضائع لا طائل من ورائه .

إن التعاون والتنسيق في هذا الميدان – إن تَمَّ – ستكون نتائجه غاية في الأهمية، وستدفع به خطوات واثقة إلى الأمام، وسوف تتغير قناعات ومسلمات كانت أشبه بالحقائق التي لا تقبل الجدل والنقاش حولها، كما ستتأكد قضايا في اللغة كانت أقرب ما تكون إلى الاحتمال والرجحان والظن، وهذا ما توفره اللسانيات الحاسوبية للعلوم الإنسانية بعامة .

والتقاء علماء اللغة وعلماء الهندسة والحاسوب، كان – ومازال – مطلباً ملحاً، وضرورة قصوى، لأي عمل ناجع في هذا الميدان على وجه الخصوص، وهو ما أكدت عليه جميع المؤتمرات التي عقدت لمناقشة قضية الحاسوب واللغة العربية .

-          ترجمة جميع الأعمال العلمية في مجال اللسانيات الحاسوبية العربية، التي كتبت باللغات الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، وغيرهن من اللغات، التي وضعها باحثون عرب وأجانب، ونقلها إلى العربية.

-          عدم ترك أمر البرمجيات الحاسوبية العربية بيد الشركات ومراكز البحوث الغربية، بل ينبغي أن يصممها أبناؤها.

رابعاً : صناعة معجم موحد لمصطلحات اللسانيات الحاسوبية، بالعربية والإنجليزية، وفق المتعارف عليه علمياً في هذا النوع من المعاجم الاصطلاحية أو المصطلحية
خامساً : أن يكون علم اللغة الحاسوبي مقرراً دراسياً معتمداً في أقسام اللغة العربية بكليات الآداب، والتربية، كما هي الحال في كلية الآداب بجامعة الكويت .
سادساً : إنشاء قسم خاص للغويات الحاسوبية في الكليات والجامعات العربية يمنح درجة البكالوريوس في هذا التخصص، على غرار ما هو موجود بجامعة الأمير سلطان الأهلية بالرياض .
سابعاً : نشر تلك الرسائل العلمية التي كتبت أصلاً باللغة العربية عن قضايا استخدام اللغة العربية في الحاسوب، وهي تُشَكل فيما اطلعت عليه إسهاماً فاعلاً في ترسيخ هذا الاتجاه، ومعالجةً موضوعيةً وعلميةً لكثير من مشكلات تعامل العربية مع الحاسوب .
ثامناً : أن ما طرحه الدكتور نبيل علي في كتابه (اللغة العربية والحاسوب) من قائمة مقترحة في مجال بحوث اللسانيات الحاسوبية مطبقة على اللغة العربية، يحسن أن يكون قاعدة جيدة للانطلاق منها نحو تفعيل النشاط البحثي وتطويره في هذا المجال .[2]


 

 

 

 ................................................................................................................................................

 

خاتمة

سعَتْ اللسانيات الحاسوبية إلى صياغة نماذج صورية محاكية لما هو موجود في الذهن البشري، مستفيدة من التطور العميق لتكنولوجيا المعلومات المتقدمة في جميع المجالات، ويأتي المجال اللغوي في مقدمة الميادين الأكثر تأثرًا بتقنية المعلومات، واللغة العربية من بين اللغات المستفيدة، فقد حققت بها قفزة نوعية جعلتها تنخرط في مجال الصناعة اللغوية العالمية.

إن التطور التكنولوجي الذي لا يتوقف بل تزداد سرعته يوما بعد يوم يضاعف التحدي أمام الأكاديميين في هذه الأمة لإيجاد وسائل تواكب ظاهرة التسريع التي وسمت هذا العصر واللسانيات الحاسوبية وسيلة مهمة جدا في الاستجابة الحضارية لمستجدات وما تزال بحاجة إلى جهود كبيرة لتنميتها وتوظيفها في خدمة العربية وأهلها وعلومها.

ويمكن من خلال كل ذلك بلوغ الأهداف الأساسية للسانيات الحاسوبية المتمثلة في :

ü    إثراء اللغة العربية : تقديم مواد علمية باللغة العربية في مجال اللسانيات الحاسوبية وانشاء تطبيقات حاسوبية لمعالجة اللغة العربية.

ü    انشاء قاعدة بحثية :تنمية المهارات في مجال اللسانيات الحاسوبية ومجالات البرمجة والمجالات العلمية والنظرية المتصلة بلك لخدمة  الجوانب الأكاديمية والتجارية . 

وبذلك يكون طالب قسم الآداب تخصص اللسانيات  قد أخذ صورة متكاملة عن قضية اللسانيات الحاسوبية في الوطن العربي وتعرف أهم خصائصها  وتلمس مواطن الضعف وأدرك مواضع القوة ،ولعل طالبا منهم يستطيع أن يتخصص في هذا الميدان فيقدم الاضافة النوعية لخدمة اللغة العربية ومتكلميها أو حتى محبي تعلمها من غير المتكلمين بها .

 


...............................................................................................................................................

قائمة مصادر ومراجع الدروس

§عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية ،ج1،دار موفم للنشر،2012.

§عبد الرحمن بن حسن العارف ، توظيف اللسانيات الحاسوبية في خدمة الدراسات اللغوية العربية -جهود ونتائج ،– مجلة مجمع اللغة العربية  الأردني– الأردن ، عدد73 ، 2007 .

§رضا بابا أحمد ، اللسانيات الحاسوبية مشكل المصطلح والترجمة، جامعة تلمسان .

§عمر مهديوي ،  توليد الأسماء من الجذور الثلاثية الصحيحة في اللغة العربية - مقاربة لسانية حاسوبية -  ج1،(2008)، جامعة الحسن الثاني

§مازن الوعر، دراسات لسانية تطبيقية، دار طلاس، دمشق، ط1، 1989م.

§مصطفى بوعناني،الفونولوجيات الحاسوبية والمسارات المعرفية للإنجاز الكلامي، ملفات معرفية،الملف الأول، ط1(2003)

§نبيل علي ، اللغة العربية والحاسوب، تعريب،1988

§عادل عوض ، تطبيقات النمذجة والمحاكاة الحاسوبية في الأنظمة البيئية-المائية،عالم الفكر ، العدد 3 ، المجلد 32، يناير –مارس 2004.

§ رؤوف وصفي ، قلب الكومبيوتر الحي، مجلة العربي ، العدد 543، فبراير 2004.

§ميشال زكريا ، الألسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية(النظرية الألسنية) ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،ط1 (1982)

§     صالح بلعيد، دروس في اللسانيات التطبيقية، دار هومة، الجزائر، دط، 2009.

§     محمود أحمد السيد،  اللسانيات وتعليم اللغة، دار المعرفة ،تونس 1997.

§     وجدان محمد صالح كنالي،اللسانيات الحاسوبية العرببة "المنهج والإطار ، بحث قدم في المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية في دبي (30 جمادى الآخرة 1434هـــ )

§       ينظر علي القاسمي، صناعة المعجم التاريخي للغة العربية، مكتبة لبنان ناشرون و صائغ، ط1 ، 2014.

§     عبد الله أبو هيف، مستقبل اللغة العربية حوسبة المعجم العربي و مشكالته اللغوية و التقنية أنموذجا، التراث العربي، ع10.

§     نهاد الموسى، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية.

§     طارق عبد الحكيم أمهان ، اللسانيات الحاسوبية خطون نحو الحل ،شبكة الأوكة

§     سناء منعم و مصطفى بوعناني، اللسانيات الحاسوبية  والترجمة الآلية  بعض الثوابت النظرية والإجرائية ،2015،

§     محمد الحناش، اللغة العربية والتقنيات المعلوماتية المتقدمة، المؤتمر الدولي 2، مجلة التواصل اللساني. م 3، 1996

§     عمر المهديوي ، بحث الهندسة اللغوية والترجمة الآلية  المفهوم و الوظيفة ،جامعة مولاي اسماعيل ،المغرب 

مواقع انترنت

 

§  https://www.aljazeera.net/blogs/2017/7/3/

§  https://www.almrsal.com/post/957583

§    https://www.youtube.com/watch?v=crQntxz-Z0k

§  https://e3arabi.com/technology/%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82-%D9%83%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9/

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




[1] ينظر.طارق عبد الحكيم أمهان ، اللسانيات الحاسوبية خطوة نحو الحل ،شبكة الأوكة ،ص05

[2] عبد الرحمن بن حسن العارف ، توظيف اللسانيات الحاسوبية في خدمة الدراسات اللغوية العربية -جهود ونتائج-،ص75